وإذا ثبت هذا بنقل أهل التفسير، وعلماء الدين، فلا ينبغي أن يُحمل على المسلمين.
ثم ليس الأخذ بظاهر الآية بأولى من الأخذ بظاهر قوله تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}[هود: ١١٤]، وقوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} الآية [الشورى: ٢٥]، وقوله تعالى {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: ٤٨]، والأخذ بالظاهرين تناقضٌ، فلا بُدّ من التخصيص.
ثم إن الجمع بين آية "الفرقان"، وهذه الآية ممكن، فلا نسخ، ولا تعارض، وذلك أن يُحمَل مطلق آية "النساء" على مقيّد آية "الفرقان"، فيكون معناه: فجزاؤه كذا إلا من تاب، لا سيّما وقد اتّحد الموجِب، وهو القتل، والموجَب، وهو التواعد بالعقاب.
وأما الأخبار، فكثيرة، كحديث عُبادة بن الصامت - رضي الله عنه - الذي قال فيه:"تبايعوني على أن لا تُشركوا بالله شيئًا، ولا تزنوا، ولا تسرِقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحقّ، فمن وفي منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئًا من ذلك، فعوقب به، فهو كفّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئًا، فستره الله عليه، فأمره إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذّبه". متّفقٌ عليه، وكحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في الذي قتل مائة نفس، متّفقٌ عليه. إلى غير ذلك من الأخبار الثابتة.
ثم إنهم قد أجمعوا معنا في الرجل يُشْهَد عليه بالقتل، أو يُقرّ بأنه قتل عمدًا، ويأتي السلطانَ الأولياءُ، فيقام عليه الحدّ، ويُقتل قَوَدًا، فهذا غير متَّبَع في الآخرة، والوعيد غير نافذ عليه إجماعًا على مقتضى حديث عبادة - رضي الله عنه -، فقد انكسر عليهم ما تعلّقوا به من عموم قوله تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}[النساء: ٩٣]، ودخله التخصيص بما ذكرنا، وإذا كان كذلك فالوجه أن هذه الآية مخصوصة كما بيّنّا، أو تكون محمولةً على ما حُكي عن ابن عبّاس - رضي الله عنهما - أنه قال:{مُتَعَمِّدًا} معناه مستحلًّا لقتله، فهذا أيضًا يؤول إلى الكفر إجماعًا.
وقالت جماعة: إن القاتل في المشيئة تاب، أو لم يتُب. قاله أبو حنيفة، وأصحابه.