للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[فإن قيل]: إن قوله تعالى: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [النساء: ٩٣] دليلٌ على كفره؛ لأن الله تعالى لا يغضب إلا على كافر خارجٍ من الإيمان.

[قلنا]: هذا وعيد، والخلف في الوعيد كَرَمٌ، كما قال [من الطويل]:

وَإِنِّي مَتَى أَوْعَدتُهُ أَوْ وَعَدتُهُ … لَمُخْلِفٌ إِيعَادِي وَمُنْجِزٌ مَوْعِدِي

وقد تقدّم جوابٌ ثان: إن جازاه بذلك: أي هو أهلٌ لذلك، ومستحقّه لعظم ذنبه. نصّ على هذا أبو مِجْلَز لاحقُ بن حُميد، وأبو صالح، وغيرهما.

وروى أنس بن مالك - رضي الله عنه -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا وعد الله لعبد ثوابًا، فهو منجزه، وإن أوعد له العقوبةَ، فله المشيئة: إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه" (١).

وفي هذين التأويلين دَخَلٌ، أما الأول، فقال القشيريّ: وفي هذا نظرٌ؛ لأن كلام الربّ لا يَقبل الخلف، إلا أن يُراد بهذا تخصيص العامّ، فهو إذًا جائزٌ في الكلام.

وأما الثاني، وإن روي أنه مرفوعٌ، فقال النّحّاس: وهذا الوجه الغلط فيه بيّنٌ، وقد قال الله عز وجل: {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا} الآية [الكهف: ١٠٦]، ولم يقل أحدٌ: إن جازاهم، وهو خطأٌ في العربيّة؛ لأن بعده: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ} [النساء: ٩٣]، وهو محمول على معنى جازاه.

وجوابٌ ثالث {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} إن لم يتُب، وأصرّ على الذنب حتى وافى ربّه على الكفر بشؤم المعاصي.

وذكر هبة الله في "كتاب الناسخ والمنسوخ" أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨]، وقال: هذا إجماع الناس إلا ابن عبّاس، وابن عمر، فإنهما قالا: هي محكمة.

وفي هذا الذي قاله نظرٌ؛ لأنه موضع عموم وتخصيص، لا موضع نسخ، قاله ابن عطيّة.

قال القرطبيّ: هذا حسنٌ؛ لأن النسخ لا يدخل الأخبار، إنما المعنى: فهو يَجزيه.


(١) قال الجامع: هذا يحتاج إلى البحث في سنده، ولم يعزه القرطبيّ إلى أي مرجع، ولم أتمكن من البحث عنه، فالله تعالى أعلم بثبوته.