للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال النحّاس في "معاني القرآن" له: القول فيه عند العلماء أهلِ النظر أنه محكم، وأنه يُجازيه إذا لم يتُب، فإن تاب فقد بيّن أمره بقوله: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ} [طه: ٨٢]، فهذا لا يخرج عنه، والخلود لا يقتضي الدوام، قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} الآية [الأنبياء: ٣٤]، وقال تعالى: {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (٣)} [الهمزة: ٣]، وقال زُهَير:

وَلَا خَالِدًا إِلَّا الْجِبَالَ الرَّوَاسِيَا

وهذا كلّه يدلّ على أن الخلد يُطلق على غير معنى التأبيد، فإن هذا يزول بزوال الدنيا، وكذلك العرب تقول: لأُخَلِّدنّ فلانًا في السجن، والسجن ينقطع ويفنى، وكذلك المسجون، ومثله قولهم في الدعاء: خلّد الله ملكه، وأبّد أيامه. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله تعالى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكِر أن الأرجح هو ما ذهب إليه الجمهور من أن قاتل المؤمن عمدًا تُقبل توبته؛ جمعًا بين النصوص المذكورة، والعمل بالدليلين إذا أمكن أولى من إلغاء أحدهما.

على أنه قد جاء عن ابن عبّاس - رضي الله عنهما - القول بموافقة قول الجمهور، فقد أخرج البخاريّ في "الأدب المفرد" (٤) بسند صحيح، على شرط الشيخين، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس أنه أتاه رجلٌ، فقال: إني خطبت امرأةً، فأبت أن تنكحني، وخطبها غيري، فأحبّت أن تنكحه، فغِرتُ عليها، فقتلتها، فهل لي من توبة؟ قال: أمّك حيّةٌ؟ قال: لا، قال: تُبْ إلى الله عز وجل، وتقرّب إليه ما استطعت، فذهبتُ، فسألت ابن عبّاس: لم سألته عن حياة أمه؟ فقال: إني لا أعلم عملًا أقرب إلى الله عز وجل من برّ الوالدة.

وأخرج ابن جرير (٥/ ١٣٨) بسند جيّد، عن سعيد، عن ابن عبّاس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: ٩٣]، قال: ليس لقاتل توبة، إلا أن يستغفر الله (٢).


(١) "الجامع لأحكام القرآن" ٥/ ٣٣٢ - ٣٣٥، "تفسير سورة النساء".
(٢) راجع: "السلسلة الصحيحة" للشيخ الألبانيّ المجلد السادس - القسم الأول ص ٧١١ - ٧١٢، رقم الحديث (٢٧٩٩).