أعلم (فَقَالَ: إِلَيَّ رَضَاعُهُ) بفتح الراء، وكسرها؛ أي: أمرُ رضاعه موكول إليّ، أن أتكفّل به (يَا نَبِيَّ اللهِ، قَالَ: فَرَجَمَهَا)؛ أي: أمر - صلى الله عليه وسلم - برجمها، فرُجمت، قال النوويّ - رحمه الله -: وفي الرواية الأخرى: "فلما ولدت أتته بالصبيّ في خِرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: فاذهبي، فارضعيه، حتى تَفْطِميه، فلما فَطَمته أتته بالصبيّ، في يده كِسْرَةُ خبزٍ، فقالت: يا نبيّ الله هذا قد فَطَمته، وقد أكل الطعام، فدَفَع الصبيَّ إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها، فرجموها".
فهاتان الروايتان ظاهرهما الاختلاف، فإن الثانية صريحة في أن رَجْمها كان بعد فطامه، وأكْلِه الخبز، والأولى ظاهرها أنه رَجَمها عقب الولادة، ويجب تأويل الأُولى، وحَمْلها على وَفْق الثانية؛ لأنها قضيّة واحدة، والروايتان صحيحتان، والثانية منهما صريحة، لا يمكن تأويلها، والأولى ليست صريحة، فيتعين تأويل الأولى، ويكون قوله في الرواية الأولى:"فقام رجل من الأنصار، فقال: إليّ رضاعه"، إنما قاله بعد الفطام، وأراد بالرضاعة: كفالته، وتربيته، وسمّاه رضاعًا مجازًا.
قال: واعلم أن مذهب الشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، والمشهور من مذهب مالك أنها لا تُرجَم حتى تجد من ترضعه، فإن لم تجد أرضعته حتى تَفطمه، ثم رُجِمت.
وقال أبو حنيفة، ومالك في رواية عنه: إذا وضعت رُجِمت، ولا يُنتظر حصول مرضعة، وأما هذا الأنصاريّ الذي كفلها فقصد مصلحة، وهو الرفق بها، ومساعدتها على تعجيل طهارتها بالحدّ؛ لِمَا رأى بها من الحرص التامّ على تعجيل ذلك. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى أن ما ذهب إليه الأولون من عدم رجمها إلا إن وُجدت مرضعة، هو الأرجح؛ لموافقته لحديث الباب، فتبصّر، والله تعالى أعلم.