للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لم تفعلي كذا فافعلي كذا؛ أي: إذا أبيت أن تستري على نفسك، وترجعي عن قولك، فاذهبي حتى تلدي، فترجعي.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "إمَّا لا، فاذهبي حتى تلدي": "إمَّا" بكسر الهمزة التي هي همزة "إن" الشَّرطية، زيدت عليها "ما" المؤكدة؛ بدليل دخول الفاء في جوابها، و"لا" التي بعدها للنفي، فكأنه قال: إن رأيت أن تستري على نفسك، وترجعي عن إقرارك، فافعلي، وإن لم تفعلي، فاذهبي حتى تلدي.

ثمَّ اختلف العلماء فيها إذا وضعت، فقال مالك: إذا وضعت رُجمت، ولم يُنتظَر بها أن تكفل ولدها، وقاله أبو حنيفة، والشافعيّ في أحد قوليه، وهذا قول من لم تبلغه هذه الرواية التي فيها تاخير الغامدية إلى أن فَطَمَت وَلَدها، وقد روي عن مالك: أنها لا تُرجم حتى تجد من يكفل ولدها بعد الرَّضاع، وهو مشهور قول مالك، والشافعيّ، وقول أحمد، وإسحاق.

وقد اختلفت الروايات في رجمها متى كان؟ هل كان قبل فطام الولد، أو بعد فطامه؟ والأَولى: رواية من روى: أنها لم تُرجم حتى فطمت ولدها، ووجدت من يكفله؛ لأنَّها مُثْبِتةٌ حكمًا زائدًا على الرواية الأخرى التي ليس فيها ذلك، ولمراعاة حق الولد. وإذا رُوعي حقه وهو جنين، فلا ترجم لأجله بالإجماع، فمراعاته إذا خرج للوجود أَولى.

ويستفاد من هذه الرِّواية: أن الحدود لا يُبطلها طول الأزمان، وهو مذهب الجمهور. وقد شذَّ بعضهم فقال: إذا طال الزمان على الحدّ بَطَل. قاله أبو حنيفة في الشهادة بالزِّنى والسَّرِقة القَدِيمين، وهو قول لا أصل له. انتهى (١).

وقوله: (حَتَّى تَفْطِمِيهِ) قال أهل اللغة: الفِطام قطع الإرضاع؛ لاستغناء الولد عنه، يقال: فَطَمَت المرضِعُ الرضيعَ فَطْمًا، من باب ضَرَبَ: فصلته عن الرّضَاع، فهي فاطمة، والصغير فَطِيمٌ، والجمع: فُطُمٌ، مثلُ بَريد وبُرُدٍ، وأفطم الصبيّ: دخل في وقت الفِطام، مثلُ أحصَدَ الزرعُ: إذا حان حَصَادُهُ (٢).


(١) "المفهم" ٥/ ٩٧.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٤٧٧.