للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "فتنضخ الدم"؛ أي: تطاير مفرّقًا، وهو بالخاء المعجمة، والعينُ النضّاخة: هي الفوّارة بالماء الغزير الذي يسيل ويتفرّق، وقد رُوي بالحاء المهملة، وهو الرشّ الخفيف، وهو أخفّ من النضخ - بالخاء المعجمة - انتهى (١).

وقوله: (مَهْلًا) مفعول مطلق لعامل محذوف؛ أي: تمهّل؛ أي: كفّ عن سبّها، وفيه دليل على أن من أقيم عليه الحدّ لا يُسبّ، ولا يؤذى بالكلام السيئ.

وقوله: (لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ) - بفتح الميم، وسكون الكاف - في الأصل مصدر مَكَس، قال الفيّوميّ - رحمه الله -: مَكَسَ في البيع مَكْسًا، من باب ضَرَبَ: نقَصَ الثمن، وماكس مماكسةً، ومِكاسًا مثله، والْمَكْسُ: الْجِبَاية، وهو مصدرٌ، من باب ضَرَب أيضًا، وفاعله مَكّاسٌ، ثم سُمّي المأخوذ مَكْسًا؛ تسميةً بالمصدر، وجُمع على مُكُوس، مثلُ فَلْس وفُلُوسٍ، وقد غَلَب استعمال الْمَكْس فيما يأخذه أعوان السلطان ظلمًا عند البيع والشراء، قال الشاعر [من الطويل]:

وَفِي كُلِّ أَسْوَاقِ الْعِرَاقِ إِتَاوَةٌ … وَفِي كُلِّ مَا بَاعَ امْرُؤٌ مَكْسُ دِرْهَمِ

انتهى (٢).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: صاحب المَكس: هو الذي يأخذ من الناس ما لا يلزمهم شرعًا من الوظائف المالية بالقهر والجبر، ولا شك في أنه من أعظم الذنوب، وأكبرها، وأفحشها، فإنَّه غصب، وظلمٌ، وعَسْفٌ على الناس، وإشاعةٌ للمنكَر، وعملٌ به، ودوامٌ عليه. ومع ذلك كلِّه: فإن تاب من ذلك، وردَّ المظالم إلى أربابها صحَّت توبته، وقُبلت، لكنَّه بعيد أن يتخلّص من ذلك؛ لكثرة الحقوق وانتشارها في النَّاس، وعدم تعيين المظلومين، وهؤلاء كضمان ما لا يجوز ضمان أصله من الزكوات، والمواريث، والملاهي، والمرتَّبين في الطرق، إلى غير ذلك مِمَّا قد كَثُر في الوجود، وعُمِل عليه في سائر البلاد. انتهى (٣).


(١) "المفهم" ٥/ ٩٩.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٥٧٧.
(٣) "المفهم" ٥/ ٩٩ - ١٠٠.