للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال النوويّ - رحمه الله -: في الحديث أن الْمَكس من أقبح المعاصي، والذنوب الموبقات، وذلك لكثرة مطالبات الناس له، وظلاماتهم عنده، وتكرر ذلك منه، وانتهاكه للناس، وأخذ أموالهم بغير حقّها، وصَرْفها في غير وجهها، وفيه أن توبة الزاني لا تُسقِط عنه حدّ الزنى، وكذا حُكم حدّ السرقة، والشرب. هذا أصح القولين في مذهبنا، ومذهب مالك، والثاني أنها تُسقط ذلك، وأما توبة المحارب قبل القدرة عليه فتُسقط حدّ المحاربة بلا خلاف عندنا، وعند ابن عباس وغيره: لا تُسقط. انتهى (١).

وقوله: (ثُمَّ أَمَرَ بِهَا، فَصَلَّى عَلَيْهَا، وَدُفِنَتْ)، وفي الرواية الثانية: "ثم أمر بها، فرُجمت، ثم صلى عليها، فقال له عمر: تصلي عليها يا نبي الله، وقد زنت؟ ".

قال النوويّ - رحمه الله -: أما الرواية الثانية فصريحة في أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - صلى عليها، وأما الرواية الأولى، فقال القاضي عياض: هي بفتح الصاد واللام عند جماهير رواة "صحيح مسلم"، قال: وعند الطبريّ بضم الصاد، قال: وكذا هو في رواية ابن أبي شيبة، وأبي داود، قال: وفي رواية لأبي داود: "ثم أمرهم أن يُصَلُّوا عليها"، قال القاضي: ولم يَذكر مسلم صلاته - صلى الله عليه وسلم - على ماعز، وقد ذَكَرها البخاريّ، وقد اختَلَف العلماء في الصلاة على المرجوم، فكرهها مالك، وأحمد للإمام، ولأهل الفضل، دون باقي الناس، فيصلي عليه غير الإمام، وأهل الفضل، قال الشافعيّ، وآخرون: يصلي عليه الإمام، وأهل الفضل، وغيرهم، والخلاف بين الشافعيّ، ومالك، إنما هو في الإمام، وأهل الفضل، وأما غيرهم فاتفقا على أنه يصلي، وبه قال جماهير العلماء، قالوا: فَيُصَلَّى على الفُسّاق، والمقتولين في الحدود، والمحارَبة، وغيرهم، وقال الزهريّ: لا يصلِّي أحدٌ على المرجوم، وقاتِل نفسه، وقال قتادة: لا يصلى على ولد الزنى، واحتجّ الجمهور بهذا الحديث، وفيه دلالة للشافعيّ أن الإمام، وأهل الفضل يصلّون على المرجوم، كما يصلّي عليه غيرهم، وأجاب أصحاب مالك عنه بجوابين: أحدهما أنهم ضَعَّفُوا رواية الصلاة؛ لكون أكثر الرواة لم يذكروها،


(١) "شرح النوويّ" ١١/ ٢٠٣ - ٢٠٤.