الحكم بكتاب الله، مع أنهما يعلمان أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يحكم إلا بحكم الله؛ ليحكم بينهما بالحق الصرف، لا بالمصالحة، ولا الأخذ بالأرفق؛ لأن للحاكم أن يفعل ذلك برضا الخصمين.
٧ - (ومنها): أن حسن الأدب في مخاطبة الكبير، يقتضي التقديم في الخصومة، ولو كان المذكور مسبوقًا.
٨ - (ومنها): أن للإمام أن يأذن لمن شاء من الخصمين في الدعوى، إذا جاءا معًا، وأمكن أنّ كلًّا منهما يَدّعِي.
٩ - (ومنها): استحباب استئذان المدعي، والمستفتي الحاكم، والعالم في الكلام، ويتأكد ذلك إذا ظن أن له عذرًا.
١٠ - (ومنها): أن من أقر بالحدّ، وجب على الإمام إقامته عليه، ولو لم يعترف مشاركه في ذلك.
١١ - (ومنها): أن من قَذف غيره لا يقام عليه الحدّ، إلا إن طلبه المقذوف، خلافًا لابن أبي ليلى، فإنه قال: يجب ولو لم يطلب المقذوف.
وتعقّبه الحافظ: بأن محل الخلاف، إذا كان المقذوف حاضرًا، وأما إذا كان غائبًا كهذا، فالظاهر أن التأخير لاستكشاف الحال، فإن ثبت في حق المقذوف، فلا حدّ على القاذف، كما في هذه القصة.
وقد قال النوويّ تبعًا لغيره: إن سبب بعث النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنيسًا للمرأة؛ ليُعْلِمها بالقذف المذكور؛ لتطالب بحدّ قاذفها، إن أنكرت، قال: هكذا أوَّله العلماء من أصحابنا وغيرهم، ولا بد منه؛ لأن ظاهره أنه بعث يطلب إقامة حد الزنا، وهو غير مراد؛ لأن حد الزنا لا يُحتاط له بالتجسس، والتنقيب عنه، بل يُستحب تلقين المقِرّ به ليرجع، كما تقدم في قصة ماعز، وكأن لقوله:"فإن اعترفت"، مقابلًا: أي وإن أنكرت، فأعلمها أن لها طلب حد القذف، فحُذف لوجود الاحتمال، فلو أَنكرت، وطَلبت لأُجيبت.
وقد أخرج أبو داود، والنسائيّ من طريق سعيد بن المسيِّب، عن ابن عباس:"أن رجلًا أقر بأنه زنى بامرأة، فجَلَده النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مائة، ثم سأل المرأة، فقالت: كَذَب، فجَلَده حدّ الفرية ثمانين"، وقد سكت عليه أبو داود، وصححه الحاكم، واستنكره النسائيّ.