للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال المنذريّ: يُشبه أن يكون أصله الهمزة، وأنه التجبئة، وهي الردع والزجر، يقال: جَبّأته تجبيئًا؛ أي: ردعته، والتجبية: أن يُنَكِّس رأسه، فيَحْتَمِل أن يكون مَن فُعل به ذلك يُنَكِّس رأسه استحياء، فسُمّي ذلك الفعل تجبية، ويَحْتَمِل أن يكون من الجَبْه، وهو الاستقبال بالمكروه، وأصله من إصابة الجبهة، تقول: جَبَهْته: إذا أصبت جَبْهته، كرَأَسْتُه: إذا أصبت رأسه.

وقال الباجيّ: ظاهر الأمر أنهم قصدوا في جوابهم تحريف حكم التوراة، والكذب على النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، إما رجاء أن يحكم بينهم بغير ما أنزل الله، وإما لأنهم قصدوا بتحكيمه التخفيف عن الزانيين، واعتقدوا أن ذلك يُخرجهم عما وجب عليهم، أو قصدوا اختبار أمره؛ لأنه من المقرَّر أن من كان نبيًّا لا يُقَرّ على باطل، فظهر بتوفيق الله نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - كَذِبهم، وصِدْقه، ولله الحمد. انتهى (١).

(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" أي: فيما زعمتم من في شأن الزانيين، وفي رواية البخاريّ: "قال عبد الله بن سلام: كذبتم، إن فيها الرجمَ"، (فَجَاءُوا بِهَا)؛ أي: بالتوراة (فَقَرَءُوهَا) وفي رواية زيد بن أسلم: "فأُتِي بها، فَنَزَع الوسادة من تحته، فوضع التوراة عليها، ثم قال: آمنت بك، وبمن أنزلك"، وفي حديث البراء الآتي: "فدعا رجلًا من علمائهم، فقال: أَنشدك بالله، وبمن أنزله"، وفي حديث جابر عند أبي داود: "فقال: ائتوني بأعلم رجلين منكم، فأُتي بابن صوريا"، زاد الطبريّ في حديث ابن عباس: "ائتوني برجلين من علماء بني إسرائيل، فأتوه برجلين، أحدهما شابّ، والآخر شيخ قد سقط حاجباه على عينيه من الكِبَر"، ولابن أبي حاتم من طريق مجاهد: "أن اليهود استفتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الزانيين، فأفتاهم بالرجم، فأنكروه، فأمرهم أن يأتوا بأحبارهم، فناشدهم، فكتموه إلا رجلًا من أصاغرهم أعور، فقال: "كذبوك يا رسول الله في التوراة". (حَتَّى إِذَا مَرُّوا بِآيَةِ الرَّجْمِ وَضَعَ الْفَتَى الَّذِي يَقْرَأُ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ) واسم هذا الفتى عبد الله بن صوريا، ووقع عند النقاش في "تفسيره" أنه أسلم، لكن ذكر مكيّ في "تفسيره" أنه ارتدّ بعد أن أسلم، وذكر الطبري بسنده أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لمّا ناشده قال: يا


(١) "الفتح" ١٥/ ٦٨٣ - ٦٨٤ رقم (٦٨٤١).