وتعقَّبه الطحاويّ بأنه لو لم يكن واجبًا ما فَعَله، قال: وإذا أقام الحد على من لا ذمة له، فَلَأَن يقيمه على من له ذمة أولى.
وقال المازريّ: يُعتَرض على جواب مالك بكونه رَجَم المرأة، وهو يقول: لا تُقتل المرأة، إلا إن أجاب أن ذلك كان قبل النهي عن قتل النساء، وأيد القرطبيّ أنهما كانا حربيين، بما أخرجه الطبريّ، كما تقدم، ولا حجة فيه؛ لأنه منقطع.
قال القرطبيّ: ويعكُر عليه أن مجيئهم سائلين يوجب لهم عهدًا، كما لو دخلوا لغرض كتجارة، أو رسالة، أو نحو ذلك، فإنهم في أمان، إلى أن يُرَدُّوا إلى مَأمنهم.
قال الحافظ: ولم ينفصل عن هذا إلا أن يقول: إن السائل عن ذلك ليس هو صاحب الواقعة.
وقال النوويّ: دعوى أنهما كانا حربيين باطلة، بل كانا من أهل العهد، كذا قال، وسلَّم بعض المالكية أنهما كانا من أهل العهد، واحتَج بأن الحاكم مخيَّر إذا تحاكم إليه أهل الذمة، بيْن أن يَحكم فيهم بحكم الله، وبيْن أن يُعرض عنهم على ظاهر الآية، فاختار - صلى الله عليه وسلم - هذه الواقعة أن يَحكم بينهم.
وتُعُقِّب بأن ذلك لا يستقيم على مذهب مالك؛ لأن شرْط الإحصان عنده الإسلام، وهما كانا كافرين، وانفصل ابن العربيّ عن ذلك بأنهما كانا محكِّمَيْن له في الظاهر، ومُخْتَبِرَيْن ما عنده في الباطن، هل هو نبيّ حقّ، أو مسامِح في الحقّ؟ وهذا لا يرفع الإشكال، ولا يَخْلُص عن الإيراد، ثم قال ابن العربيّ: في الحديث أن الإسلام ليس شرطًا في الإحصان، والجواب بأنه إنما رجمهما لإقامة الحجة على اليهود فيما حَكّموه فيه من حُكم التوراة فيه نَظَر؛ لأنه كيف يقيم الحجة عليهم بما لا يراه في شرعه، مع قوله:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}[المائدة: ٤٩]؟ قال: وأجيب بأن سياق القصة يقتضي ما قلناه، ومن ثَمَّ استدعى شهودهم ليقيم الحجة عليهم منهم، إلى أن قال: والحق أحقّ أن يُتبع، ولو جاءوني لحكمت عليهم بالرجم، ولم أعتبر الإسلام في الإحصان.
قال الجامع عفا الله عنه: لقد أجاد ابن العربيّ - رحمه الله - حيث اتبع الدليل مع طول مدافعته عن مذهبه، لكنه ما منعه ذلك عن الاستسلام للدليل، فقال: