والحقّ أحقّ أن يتبع. . . إلخ، وتَرَك اعتبار الإسلام في الإحصان، لهذا الحديث، وهذا هو واجب كل مسلم أن يخضع للدليل، ولو خالف مذهبه؛ لأن الدليل هو المرجع، والفيصل عند التنازع، كما قال الله - عز وجل -: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية [النساء: ٥٩]، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
وقال ابن عبد البر: حدّ الزاني حقّ من حقوق الله، وعلى الحاكم إقامته، وقد كان لليهود حاكم، وهو الذي حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهما، وقول بعضهم: إن الزانيين حَكَّماه دعوى مردودة.
واعتُرِض بأن التحكيم لا يكون إلا لغير الحاكم، وأما النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فحُكمه بطريق الولاية، لا بطريق التحكيم.
وأجاب الحنفية عن رجم اليهوديين، بأنه وقع بحكم التوراة.
وردّه الخطابيّ؛ لأن الله قال:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}، وإنما جاءه القوم سائلين عن الحكم عنده، كما دلّت عليه الرواية المذكورة، فأشار عليهم بما كتموه من حكم التوراة، ولا جائز أن يكون حكم الإسلام عنده مخالفًا لذلك؛ لأنه لا يجوز الحكم بالمنسوخ، فدل على أنه إنما حكم بالناسخ.
وأما قوله في حديث أبي هريرة:"فإني أحكم بما في التوراة" ففي سنده رجل مبهَم، ومع ذلك فلو ثَبَت لكان معناه: لإقامة الحجة عليهم، وهو موافق لشريعته.
ويؤيده - كما قال الحافظ - أن الرجم جاء ناسخًا للجَلد، كما تقدم تقريره، ولم يقل أحد: إن الرجم شُرِع، ثم نُسِخ بالجلد، ثم نسخ الجلد بالرجم، وإذا كان حكم الرجم باقيًا منذ شُرِع، فما حَكَم عليهما بالرجم بمجرد حكم التوراة، بل بشرعه الذي استمرّ حكم التوراة عليه، ولم يقدّر أنهم بدّلوه فيما بدلوا.
وأما ما تقدم من أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - رجمهما أول ما قدم المدينة؛ لقوله في بعض طرق القصة:"لَمّا قَدِم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - المدينة أتاه اليهود".
فالجواب: أنه لا يلزم من ذلك الفور، ففي بعض طرقه الصحيحة - كما