للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تقدّم أن الحافظ ذكر هذا التعارض، وأجاب بإمكان التعدّد، أو بأنهم بادروا فجلدوا، ثم سألوا، فاتفق المرور بالمجلود في حال سؤالهم عن ذلك، فأمر بإحضارهما، فوقع ما وقع، والله تعالى أعلم.

(قَالُوا: نَعَمْ، فَدَعَا رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ) الظاهر أنه عبد الله بن صُوريا المتقدّم ذكره. (فَقَالَ: "أَنْشُدُكَ بِاللهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟ " أي: التوراة، (قَالَ: لَا)؛ أي: لا نجد التحميم، والجلد في كتابنا، (وَلَوْلَا أَنَّكَ نَشَدْتَنِي بِهَذَا)؛ أي: بقولك المغلّظ، حيث قُلت: "أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى"، (لَمْ أُخْبِرْكَ، نَجِدُهُ)؛ أي: حدّ الزاني (الرَّجْمَ) منصوب على أنه مفعول ثان لـ "نجد"، (وَلَكِنَّهُ)؛ أي: الزنى (كَثُرَ) بضمّ الثاء المثلّثة، (فِي أَشْرَافِنَا)؛ أي: في الملوك، وأعوانهم، (فَكُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ) لشرفه (وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ) لعدم من يحميه، (قُلْنَا) وفي بعض النسخ: "فقلنا"؛ أي: قال بعضنا لبعض: (تَعَالَوْا) بفتح اللام، وإنما فُتح، وإن كان آخر الفعل يُضمّ للواو؛ لأن اللام ليست آخر الفعل حقيقةً، إذ أصله: تعالَيُوا، بوزن تقاتَلُوا، فقُلبت الياء ألفًا؛ لتحرّكها، وانفتاح ما قبلها، ثمّ حُذفت الألف؛ للالتقاء الساكنين؛ أي: الألف المنقلبة، وواو الجماعة، فبقي ما قبل الواو مفتوحًا على أصله، وما قبلها محذوف، فافهم.

(فَلْنَجْتَمِعْ عَلَى شَيْءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ، فَجَعَلْنَا التَّحْمِيمَ)؛ أي: تسويد الوجه بالْحُمَم، وهو الفحم، وفسّره بعضهم بصبّ الماء الحارّ على الوجه، (وَالْجَلْدَ، مَكَانَ الرَّجْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ)؛ أي: في شأن الرجم (إِذْ أَمَاتُوهُ" أي: أماته اليهود، حيث تركوا العمل به، (فَأَمَرَ) بالبناء للفاعل، أمر - صلى الله عليه وسلم - (بِهِ)؛ أي: برجم ذلك اليهوديّ الزاني، (فَرُجِمَ) بالبناء للمفعول.

قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في "تفسيره" بعد إيراده الأحاديث المتقدّمة ما نصّه: فهذه أحاديث دالة على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حَكَم بموافقة حُكْم التوراة، وليس هذا من باب الإلزام لهم بما يعتقدون صحته؛ لأنهم مأمورون باتباع الشرع المحمديّ لا محالةَ، ولكن هذا بوحي خاص من الله - عز وجل - إليه بذلك،