للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"تبيّن"، وقيل: يُكتفى في ذلك بعلم السيّد، قاله في "الفتح" (١).

وقال النوويّ - رحمه الله -: معنى تبيّن زناها: تحقّقه، إما بالبيّنة، وإما برؤية، أو عِلْم عند من يجوّز القضاء بالعلم في الحدود. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: تبيُّن زنى الأمة يكون بالإقرار، وبالحبَل، وبصحّة الشهادة عند الإمام، وهل يكتفي السيّد بعلة الزنى، أو لا؟ فيه روايتان عند المالكيّة. انتهى (٣).

(فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ)؛ أي: الواجب عليها المعروف من صريح قول الله - عز وجل -: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥]، ووقع في رواية النسائيّ من طريق الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "فليجلدها بكتاب الله"، (وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا) التثريب: التوبيخ، واللوم؛ أي: لا يَجمع عليها العقوبة بالجلد، وبالتعيير، وقيل: المراد: لا يَقتنع بالتوبيخ، دون الجلد، وفي رواية سعيد، عن أبي هريرة، عبد الرزاق: "ولا يُعَيِّرها، ولا يُفَنِّدها".

قال ابن بطال - رحمه الله -: يؤخذ منه أن كل من أقيم عليه الحدّ لا يُعَزَّر بالتعنيف واللوم، وإنما يليق ذلك بمن صدر منه قبل أن يُرفع إلى الإمام؛ للتحذير، والتخويف، فإذا رُفع، وأقيم عليه الحدّ كفاه، وسيأتي نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن سبّ الذي أقيم عليه حدّ الخمر، وقال: "لا تكونوا أعوانًا للشيطان على أخيكم".

(ثُمَّ إِنْ زَنَتْ) مرّة ثانيةً (فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ)؛ أي: الواجب عليها، وهو نصف ما على الحرّة.

قال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "فليجلدها" أمرٌ للسيِّد بجلد أمته الزانية وعبده، وبه قال الجمهور من الصحابة، والتابعين، والفقهاء، خلا أهل الرأي أبا حنيفة وأصحابه، فإنَّهم قالوا: لا يقيم الحدّ إلا السلطان، وهذه الأحاديث - النصوص الصحيحة - حجَّة عليهم، وفي معنى حدّ الزنى عند الجمهور سائر الحدود، غير أنهم اختلفوا في حد السَّرِقة، وقِصاص الأعضاء، فمنع مالك


(١) "الفتح" ١٥/ ٦٧٩، كتاب "الحدود" رقم (٦٨٣٩).
(٢) "شرح النوويّ" ١١/ ٢١١.
(٣) "المفهم" ٥/ ١١٩.