للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وغيره إقامة السيِّد ذلك مخافة أن يمثِّل بعبده، ويَدَّعِي أنَّه سرق، وأقام الحدّ عليه، فيسقط العتق الواجب بالْمُثْلَة.

قال القرطبيّ: وعلى هذا لو قامت بيِّنة توجب حدّ السَّرِقة أقامه، وقاله بعض أصحابنا: إذا قامت على السَّرِقة بيِّنة، وقال الشافعي: يقطع السيِّد عبده إذا سرق.

قال: وعلى هذا فله أن يَقْتل عبده إذا قتل؛ لكن إذا قامت البيِّنة.

وكل من قال بإقامة السيِّد الحدّ على أمته لم يفرِّق بين أن تكون الأمة ذات زوج، أو غير ذات زوج؛ خلا مالكًا فإنَّه قال: إن كانت غير ذات زوج، أو كانت متزوجة بعبد السيِّد أقام عليها الحدّ، فلو كانت متزوجة بأجنبي لم يقم سيِّدها عليها الحدّ لحق الزوج؛ إذ قد يُعِيبُها عليه، وإنَّما يقيمه الإمام.

قال الجامع عفا الله عنه: ما قاله الجمهور من إقامة الحدّ على الأمة مطلقًا، ولو كانت مزوَّجة، هو الأرجح عندي؛ لظاهر إطلاق النصّ، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

والجَلْد المأمور به هنا: هو نصف حدِّ الحرِّ، الذي قال الله تعالى فيه: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥]. انتهى (١).

(وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا)؛ أي: لا يُوبِّخ، ولا يُعيِّر، ولا يُكْثِر من اللَّوم، فإنَّ الإكثار من ذلك يزيل الحياء والْحِشْمة، ويُجَرِّئ على ذلك الفعل، وأيضًا فإن العبد غالب حاله: أنه لا ينفعه اللوم والتوبيخ، ولا يؤثّر، فلا يظهر له أثر، وانما يظهر أثره في حق الحر، ألا ترى قول الشاعر:

وَاللَّومُ لِلْحُرِّ مُقيمٌ رادِعٌ … وَالْعَبْدُ لَا يَرْدَعُهُ إِلَّا الْعَصَا

وأيضًا: فإن التوبيخ واللَّوم عقوبة زائدة على الحد الذي نصّ الله تعالى عليه، فلا ينبغي أن يلتزم ذلك، ولا يَدخُلُ في ذلك الوعظُ والتخويفُ بعقاب الله تعالى، والتهديدُ إذا احتيج لذلك؛ إذ ليس بتثريب؛ ولأن الصحابة - رضي الله عنهم - قد قالوا لشارب الخمر: أما اتَّقيت الله؟ أما استحيت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قاله القرطبيّ - رحمه الله - (٢).


(١) "المفهم" ٥/ ١١٩ - ١٢٠.
(٢) "المفهم" ٥/ ١٢٠.