للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا، فَلْيَبِعْهَا، وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ")؛ أي: ولو كان البيع بثمن قليل، كالحبل من الشعر، قال ابن بطّال - رحمه الله -: فائدة الأمر ببيع الأمة الزانية المبالغة في تقبيح فعلها، والإعلام بأن الأمة الزانية لا جزاء لها إلا البيع، وأنها لا تبقى عند سيّدها؛ زجرًا لها عن معاودة الزنا، ولعلّ ذلك يكون سببًا لإعفافها، إما أن يزوّجها، المشتري، أو يُعفّها بنفسه، أو يصونها بهيبته. انتهى (١).

قال النوويّ - رحمه الله -: هذا البيع المأمور به مستحبّ، ليس بواجب عندنا، وعند الجمهور، وقال داود، وأهل الظاهر: هو واجب، وفيه جواز بيع الشيء النفيس بثمن حقير، وهذا مجمع عليه، إذا كان البائع عالِمًا به، فإن كان جاهلًا، فكذلك عندنا، وعند الجمهور، ولأصحاب مالك فيه خلاف، والله أعلم، وهذا البيع المأمور به يلزم صاحبه أن يُبَيِّن حالها للمشتري؛ لأنه عيب، والإخبار بالعيب واجب.

[فإن قيل]: كيف يَكره شيئًا، ويرتضيه لأخيه المسلم؟.

[فالجواب]: لعلها تستعفّ عند المشتري بأن يُعِفّها بنفسه، أو يصونها بهيبته، أو بالإحسان إليها، والتوسعة عليها، أو يزوجها، أو غير ذلك، والله أعلم. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "ولو بحبل من شعر" وَصَف الحبل بكونه من شعر؛ لأنَّه أكثر حبالهم، وهذا خرج مخرج التقليل، والتزهيد في الجارية الزانية، فكأنَّه قال: لا تمسكها، بعها بما تيسَّر، ففيه دليل على إبعاد أهل المعاصي، واحتقارهم.

[فرع]: إذا باعها عرَّف بزناها، لأنَّه عيبٌ، فلا يحلُّ أن يكتم.

فإن قيل: إذا كان مقصود هذا الحديث إبعاد الزانية، ووجب على بائعها التعريف بزناها، فلا ينبغي لأحد أن يشتريها، لأنها مِمَّا قد أُمِرَ بإبعادها.

فالجواب: أنَّها مالٌ ولا يُضاع للنهي عن إضاعة المال، ولا تُسيَّب، ولا


(١) "شرح البخاريّ" لابن بطال ٦/ ٢٨٢ - ٢٨٣.
(٢) "شرح النوويّ" ١١/ ٢١٢.