عن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ (أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ) - رضي الله عنه - (أَخْبَرَهُ) أي أخبر عروة (أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَرَأَيْتَ) أي أخبرني (أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا) بالثاء المثلثة: أي أتقرّب، والحنث في الأصل: الإثم، وكأنه أراد: أُلقي عني الإثم، وفي الرواية التالية:"أتبرّر بها"، وهو بمعناه (فِي الْجَاهِلِيَّةِ) المراد أيام كفره، لا الأيام التي قبل ظهور الإسلام، فكأنه قال: في جاهليّتي، زاد في الرواية التالية:"من صدقة، أو عَتَاقة، أو صِلَة رَحِم"، وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه الآتية: أن حكيم بن حزام أعتق في الجاهلية مائة رقبة، وحمل على مائة بعير، ثم أعتق في الإسلام مائة رقبة، وحمل على مائة بعير. (هَلْ لِي فِيهَا مِنْ شَيْءٍ؟) أي من أجر وثواب، كما فسّرته الرواية التالية:"أفيها أجر؟ "، وليس المراد مطلق الشيء؛ لأن له بها ذكرًا جميلًا على ألسنة الناس (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ) أي قدّمته (مِنْ خَيْرٍ") قال المازريّ: ظاهره أن الخير الذي أسلفه كُتِب له، والتقدير: أسلمت على قبول ما سلف لك من خير، وقال الحربي: معناه: ما تَقَدَّم لك من الخير الذي عملته هو لك، كما تقول: أسلمتُ على أن أحوز لنفسي ألف درهم، وأما من قال: إن الكافر لا يثاب، فحمل معنى الحديث على وجوه أخرى:
(منها): أن يكون المعنى: إنك بفعلك ذلك اكتسبت طباعًا جميلةً، فانتفعت بتلك الطباع في الإسلام، وتكون تلك العادة قد مَهَّدت لك معونة على فعل الخير.
(ومنها): أنك اكتسبت بذلك ثناءً جميلًا، فهو باق لك في الإسلام.
(ومنها): أنك ببركة فعل الخير هُديت إلى الإسلام؛ لأن المبادئ عنوان الغايات.
(ومنها): أنك بتلك الأفعال رُزِقت الرزق الواسع.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: بُعد هذه التأويلات عن معنى النصّ غاية البعد مما لا يخفى على بصير، وإنما ذكرتها؛ لتُعلَم، لئلا يُغترّ بها، فالحقّ الذي لا مرية فيه هو ما قاله المازريّ والحربيّ رحمهما الله تعالى، فتبصّر، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.