للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال ابن الجوزيّ: قيل: إن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وَرَّى عن جوابه، فإنه سأل: هل لي فيها من أجر؟ فقال: "أسلمتَ على ما سَلَفَ من خير"، والعتق فِعْلُ خير، وكأنه أراد إنك فعلت الخير، والخير يُمدَح فاعله، ويجازى عليه في الدنيا، فقد رَوَى مسلم من حديث أنس - رضي الله عنه - مرفوعًا: "أن الكافر يثاب في الدنيا بالرزق على ما يفعله من حسنة". انتهى.

قال الجامع: قول ابن الجوزيّ هذا من جنس التأويلات المفنّدة، والحقّ ما سبق.

قال النوويّ بعد هذه الأقوال: وذهب ابن بطال وغيره من المحققين إلى أن الحديث على ظاهره، وأنه إذا أسلم الكافر، ومات على الإسلام يثاب على ما فعله من الخير في حال الكفر، واستَدَلُّوا بحديث أبي سعيد الخدريّ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أسلم الكافر، فحسن إسلامه، كَتَب الله تعالى له كلَّ حسنة زَلَفَها، ومحا عنه كل سيئة زَلَفها، وكان عمله بعد ذلك، الحسنةُ بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عنها"، ذكره الدارقطنيّ في غريب حديث مالك، ورواه عنه من تسع طُرُق، وثبت فيها كلها أن الكافر إذا حسن إسلامه، يُكتب له في الإسلام كلُّ حسنة عملها في الشرك. قال ابن بطال بعد ذكره الحديث: ولله تعالى أن يتفضل على عباده بما يشاء، لا اعتراض لأحد عليه، قال: وهو كقوله - صلى الله عليه وسلم - لحكيم بن حزام - رضي الله عنه -: "أسلمت على ما أسلفت من خير"، والله أعلم.

وأما قول الفقهاء: لا يصح من الكافر عبادةٌ، ولو أسلم لم يُعْتَدَّ بها، فمرادهم أنه لا يُعتدّ له بها في أحكام الدنيا، وليس فيه تعرّض لثواب الآخرة، فإن أقدم قائل على التصريح بأنه إذا أسلم لا يثاب عليها في الآخرة، رُدَّ قوله بهذه السنة الصحيحة.

وقد يُعْتَدّ ببعض أفعال الكفار في أحكام الدنيا، فقد قال الفقهاء: إذا وجب على الكافر كفارةُ ظهار، أو غيرها فكفَّر في حال كفره، أجزأه ذلك، وإذا أسلم لم تجب عليه إعادتها، واختَلَف أصحاب الشافعي - رضي الله عنه - فيما إذا أجنب، واغتسل في حال كفره، ثم أسلم، هل تجب عليه إعادة الغسل أم لا؟ وبالغ بعض أصحابنا - يعني الشافعيّة - فقال: يصحّ من كل كافر كلُّ طهارة،