للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويؤيده رواية مسلم من طريق أبي الأشعث، عن عبادة في هذا الحديث: "ومن أتى منكم حدًّا"؛ إذ القتل على الشرك لا يسمى حدًّا، لكن يَعْكُر على هذا القائل أن الفاء في قوله: "فمن" لترتّب ما بعدها على ما قبلها، وخطاب المسلمين بذلك لا يمنع التحذير من الإشراك، وما ذُكر في الحدّ عرفيّ حادث، فالصواب - ما قال النوويّ رحمه الله.

وقال الطيبيّ: الحقّ أن المراد بالشرك: الشرك الأصغر، وهو الرياء، ويدلّ عليه تنكير "شيئًا"؛ أي: شركًا أيًّا ما كان.

وتُعُقّب بأن عُرف الشارع إذا أَطلق الشرك إنما يريد به ما يقابل التوحيد، وقد تكرر هذا اللفظ في الكتاب، والأحاديث، حيث لا يراد به إلا ذلك.

ويجاب بأن طلب الجمع يقتضي ارتكاب المجاز، فما قاله مُحْتَمِلٌ، وإن كان ضعيفًا، ولكن يَعْكُر عليه أيضًا أنه عَقَّب الإصابةَ بالعقوبة في الدنيا، والرياء لا عقوبة فيه، فَوَضَح أن المراد: الشرك، وأنه مخصوص (١).

قال الجامع عفا الله عنه: الظاهر أن الشرك هنا هو المقابل للتوحيد، فتأمله، والله تعالى أعلم.

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "فهو كفارته": هذا حجَّة واضحة لجمهور العلماء على أن الحدود كفارات، فمن قَتَل فاقتُصَّ منه لم يبق عليه طِلْبَةٌ في الآخرة؛ لأنَّ الكفارات ماحيةٌ للذنوب، ومصَيِّرةٌ لصاحبها كأن ذنبه لم يكن. وقد ظهر ذلك في كفارة اليمين والظِّهار وغير ذلك. فإن بقي مع الكفارة شيء من آثار الذنب لم يَصْدُق عليها ذلك الاسم. وقد سمعنا من بعض مشايخنا: أن الكفارة إنَّما تكفّر حقّ الله تعالى، ويبقى على القاتل حق المقتول يطلبه به يوم القيامة. وتَطَّرِدُ هذه الطريقة في سائر حقوق الآدميين.

قلت (٢): وهذا ليس بصحيح؛ لأنَّه تخصيص لعموم ذلك الحديث بغير دليل، وما ذكره من اختلاف الحقوق صحيحٌ، غير أنَّه لمّا أباح الله دم القاتل بسبب جريمته، وقُتِل، فقد فُعِل به مثل ما فَعَل من إيلام نفسه، واستباحة دمه،


(١) "الفتح" ١/ ١٢٦ - ١٢٧، كتاب "الإيمان" رقم (١٨).
(٢) القائل هو القرطبيّ رحمه الله.