للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بالقتل، كما ورد في الخبر الذي صححه ابن حبان وغيره: "إن السيف مَحَّاء للخطايا"، وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "إذا جاء القتل محا كلَّ شيء"، رواه الطبرانيّ، وله عن الحسن بن عليّ نحوه، وللبزار عن عائشة - رضي الله عنها - مرفوعًا: "لا يَمُرّ القتل بذنب إلا محاه"، فلولا القتل ما كُفّرت ذنوبه، وأيُّ حقّ يصل إليه أعظم من هذا، ولو كان حدّ القتل إنما شُرع للردع فقط لم يشرع العفو عن القاتل.

وهل تدخل في العقوبة المذكورة المصائبُ الدنيوية، من الآلام، والأسقام، وغيرها؟ فيه نظر، ويدلّ للمنع قوله: "ومن أصاب من ذلك شيئًا، ثم ستره الله"، فإن هذه المصائب لا تنافي الستر، ولكن بَيَّنت الأحاديث الكثيرة أن المصائب تُكَفِّر الذنوب، فَيَحْتَمِل أن يراد أنها تكفِّر ما لا حدّ فيه، والله أعلم. انتهى (١).

(فَهُوَ)؛ أي: العقاب، فالضمير يرجع إلى المفهوم من قوله: "فعوقب"، وهو نظير قوله تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: ٨]، فإنه يرجع إلى العدل الذي دلّ عليه {اعْدِلُوا}. (كَفَّارَةٌ لَهُ) زاد في رواية للبخاريّ: "وطهورُ"، والكفّارة هي الفعلة التي من شأنها أن تكفّر الخطيئة؛ أي: تسترها، يقال: كَفَرت الشيءَ أكفِره بالكسر كَفْرًا: إذا سترته، ورَماد مكفورٌ: إذا سَفّت الريح التراب عليه، حتى غطَّته، ومنه الكافر؛ لأنه سَتَر الإيمان وغطّاه، قاله في "العمدة" (٢).

وقال النوويّ رحمه الله: عموم هذا الحديث مخصوص بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} الآية [النساء: ٤٨]، فالمرتد إذا قُتل على ارتداده لا يكون القتل له كفارة.

قال الحافظ: وهذا بناء على أن قوله: "من ذلك شيئًا" يتناول جميع ما ذُكِر، وهو ظاهر، وقد قيل: يَحْتَمِل أن يكون المراد: ما ذُكِر بعد الشرك، بقرينة أن المخاطَب بذلك المسلمون، فلا يدخل حتى يُحتاج إلى إخراجه،


(١) "الفتح" ١/ ١٣١، كتاب "الإيمان" رقم (١٨).
(٢) "عمدة القاري" ١/ ٢٥١.