للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ)؛ أي: إن الله يُنجيه من عذابه، وإهانته، ويوصله إلى جنته، وكرامته.

وقال في "الفتح": أطلق هذا على سبيل التفخيم؛ لأنه لَمّا أن ذكر المبايعة المقتضية لوجود العِوَضين أثبت ذِكر الأجر في موضع أحدهما، وأفصح في رواية الصُّنابحيّ، عن عبادة في هذا الحديث في "الصحيحين" بتعيين العِوَض، فقال: "بالجنة"، وعَبّر هنا بلفظ "على" للمبالغة في تحقق وقوعه كالواجبات، ويتعيَّن حمله على غير ظاهره؛ للأدلة القائمة على أنه لا يجب على الله شيء.

وقد مرّ في "كتاب الإيمان"، في حديث معاذ في تفسير حقّ الله على العباد تقرير هذا.

[فإن قيل]: لِمَ اقتصر على المنهيات، ولم يذكر المأمورات.

[فالجواب]: أنه لم يُهملها، بل ذكرها على طريق الإجمال في قوله في رواية الصنابحي الآتية: "ولا نعصي"؛ إذ العصيان مخالفة الأمر، والحكمة في التنصيص على كثير من المنهيات دون المأمورات، أن الكفّ أيسر من إنشاء الفعل؛ لأن اجتناب المفاسد مقدَّم على اجتلاب المصالح، والتخلِّي عن الرذائل قبل التحلي بالفضائل، أفاده في "الفتح" (١).

قوله: "ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب": زاد أحمد في روايته: "به".

(وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا) هو عامّ؛ لأنه نكرة في سياق الشرط، وصرّح ابن الحاجب بأنه كالنفي في إفادة العموم، كنكرة وقعت في سياقه (٢). وقوله: (مِنْ ذَلِكَ) "من" تبعيضيّة، (فَعُوقِبَ بِه)؛ أي: بسبب ما ارتكبه من الذنبِ.

قال في "الفتح": قوله: "فعوقب به" أعم من أن تكون العقوبة حدًّا، أو تعزيرًا، قال ابن التين: وحُكِي عن القاضي إسماعيل وغيره أن قَتْل القاتل إنما هو رادع لغيره، وأما في الآخرة فالطلب للمقتول قائم؛ لأنه لم يصل إليه حقّ، قال الحافظ: بل وصل إليه حقّ، وأيُّ حقّ، فإن المقتول ظلمًا تُكَفَّر عنه ذنوبه


(١) راجع: "الفتح" ١/ ١٢٦، كتاب "الإيمان" رقم (١٨).
(٢) راجع: "عمدة القاري" ١/ ٢٥١.