"الممتحنة"، وهي قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} الآية [الممتحنة: ١٢]، ونزول هذه الآية متأخِّر بعد قصة الحديبية بلا خلاف، والدليل على ذلك ما عند البخاريّ في "كتاب الحدود" من طريق سفيان بن عيينة، عن الزهريّ، في حديث عبادة هذا: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا بايعهم قرأ الآية كلها، وعنده في "تفسير الممتحنة" من هذا الوجه، قال: قرأ آية النساء، ولمسلم من طريق معمر، عن الزهريّ، قال:"فتلا علينا آية النساء، قال: أن لا تشركن بالله شيئًا"، وللنسائيّ من طريق الحارث بن فضيل، عن الزهريّ: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"ألَا تبايعونني على ما بايع عليه النساء، أن لا تشركوا بالله شيئًا. . ." الحديث، وللطبرانيّ من وجه آخر، عن الزهريّ بهذا السند:"بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما بايع عليه النساء يوم فتح مكة"، ولمسلم من طريق أبي الأشعث، عن عبادة في هذا الحديث:"أَخَذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما أخذ على النساء".
فهذه أدلة ظاهرة في أن هذه البيعة إنما صدرت بعد نزول الآية، بل بعد صدور البيعة، بل بعد فتح مكة، وذلك بعد إسلام أبي هريرة - رضي الله عنه - بمدّة، ويؤيد هذا ما رواه ابن أبي خيثمة في "تاريخه" عن أبيه، عن محمد بن عبد الرحمن الطُّفَاويّ، عن أيوب، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أبايعكم على أن لا تشركوا بالله شيئًا. . ."، فذكر نحو حديث عبادة، ورجاله ثقات.
وقد قال إسحاق بن راهويه رحمه الله: إذا صح الإسناد إلى عمرو بن شعيب، فهو كأيوب، عن نافع، عن ابن عمر. انتهى.
وإذا كان عبد الله بن عمرو أحدَ من حضر هذه البيعة، وليس هو من الأنصار، ولا ممن حضر بيعتهم، وإنما كان إسلامه قرب إسلام أبي هريرة، وَضَح تغاير البيعتين: بيعة الأنصار ليلة العقبة، وهي قبل الهجرة إلى المدينة، وبيعة أخرى وقعت بعد فتح مكة، وشهدها عبد الله بن عمرو، وكان إسلامه بعد الهجرة بمدّة طويلة.
ومثل ذلك ما رواه الطبرانيّ من حديث جرير، قال: بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مثل ما بايع عليه النساء، فذكر الحديث، وكان إسلام جرير متأخرًا عن إسلام أبي هريرة على الصواب.