للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الحافظ: وقد وصله آدم بن أبي إياس، عن ابن أبي ذئب، وأخرجه الحاكم أيضًا، فقَوِيَت رواية معمر، وإذا كان صحيحًا فالجمع الذي جَمَع به القاضي عياض حسن، لكن القاضي ومن تبعه جازمون بأن حديث عبادة هذا كان بمكة ليلة العقبة لَمّا بايع الأنصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيعة الأولى بمنى، وأبو هريرة إنما أسلم بعد ذلك بسبع سنين عام خيبر، فكيف يكون حديثه متقدمًا؟ وقالوا في الجواب عنه: يمكن أن يكون أبو هريرة ما سمعه من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وإنما سمعه من صحابي آخر، كان سمعه من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قديمًا، ولم يسمع من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك أن الحدود كفارة، كما سمعه عبادة.

قال الحافظ: وفي هذا تعسُّفٌ، ويُبطله أن أبا هريرة صرَّح بسماعه، وأن الحدود لم تكن نزلت إذ ذاك، والحقّ عندي أن حديث أبي هريرة صحيح، وهو ما تقدم على حديث عبادة، والمبايعة المذكورة في حديث عبادة على الصفة المذكورة لم تقع ليلة العقبة، وإنما كان ليلة العقبة ما ذَكَرَ ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال لمن حضر من الأنصار: "أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم، وأبناءكم"، فبايعوه على ذلك، وعلى أن يَرْحَل إليهم هو وأصحابه، وفي حديث عبادة أيضًا قال: "بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة، في العُسر واليُسر، والمَنْشِط والمَكرَه. . ." الحديث.

وأصرح من ذلك في هذا المراد ما أخرجه أحمد، والطبرانيّ من وجه آخر عن عبادة، أنه جرت له قصة مع أبي هريرة عند معاوية بالشام، فقال: يا أبا هريرة إنك لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة، في النَّشاط والكسل، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن نقول بالحقّ، ولا نخاف في الله لومة لائم، وعلى أن ننصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قَدِم علينا يثرب، فنمنعه مما نمنع منه أنفسنا، وأزواجنا، وأبناءنا، ولنا الجنة، فهذه بيعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي بايعناه عليها، فذكر بقية الحديث، وعند الطبرانيّ له طريق أخرى، وألفاظ قريبة من هذه.

وقد وَضَح أن هذا هو الذي وقع في البيعة الأولى، ثم صدرت مبايعات أخرى، منها هذه البيعة التي في حديث الباب في الزجر عن الفواحش المذكورة. والذي يُقَوِّي أنها وقعت بعد فتح مكة، بعد أن نزلت الآية التي في