للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: "العجماء عَقْلُها جُبار. . ." الحديث، والمراد بالعقل: الدية؛ أي: لا دية فيما تُتْلِفُه.

وذكر ابن العربيّ أن بناء (ج ب ر) للرفع، والإهدار، من باب السلب، وهو كثير، يأتي اسم الفعل، والفاعل لسلب معناه، كما يأتي لإثبات معناه.

وتعقبه العراقيّ في "شرح الترمذيّ" بأنّه للرفع على بابه؛ لأنَّ إتلافات الآدميّين مضمونة مقهور مُتلِفها على ضمانها، وهذا إتلاف قد ارتفع عن أن يؤخذ به أحد. انتهى (١).

(وَالْبِئْرُ جُبَارٌ) في رواية الأسود بن العلاء الآتية: "والبئر جرحها جبار"، أما البئر فهي بكسر الموحدة، ثمَّ ياء ساكنة مهموزة، ويجوز تسهيلها، وهي مؤنثة، وقد تُذَكَّر على معنى القَلِيب، والطُّوَى، والجمع أبؤر، وآبار بالمد والتخفيف، وبهمزتين بينهما موحدة ساكنة، قال أبو عبيد: المراد بالبئر هنا: العادية القديمة التي لا يُعْلَم لها مالك، تكون في البادية، فيقع فيها إنسان، أو دابة فلا شيء في ذلك على أحد، وكذلك لو حَفَر بئرًا في مُلكه، أو في موات فوقع فيها إنسان، أو غيره فتَلِف فلا ضمان، إذا لم يكن منه تسبّب إلى ذلك، ولا تغريرٌ، وكذا لو استأجر إنسانًا؛ ليحفر له البئر، فانهارت عليه فلا ضمان، وأما من حفر بئرًا في طريق المسلمين، وكذا في مُلك غيره بغير إذن فتلف بها إنسان، فإنَّه يجب ضمانه على عاقلة الحافر، والكفارة في ماله، وإن تلف بها غير آدميّ وجب ضمانه في مال الحافر، ويلتحق بالبئر كل حُفْرة على التفصيل المذكور، قاله في "الفتح".

قال ابن بطال - رحمه الله - (٢): وخالف الحنفية في ذلك، فضمَّنوا حافر البئر مطلقًا؛ قياسًا على راكب الدابة، ولا قياس مع النصّ، وسيأتي تمام البحث في هذا في المسألة السادسة - إن شاء الله تعالى -.

وقال ابن العربيّ - رحمه الله -: اتَّفَقَت الروايات المشهورة على التلفظ بالبئر، وجاءت رواية شاذّة بلفظ: "النار جُبار" بنون، وأَلِف ساكنة قبل الراء، ومعناه


(١) راجع: "طرح التثريب" ٤/ ١٧.
(٢) "شرح البخاريّ" لابن بطال - رحمه الله - ٨/ ٥٥٩.