للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أصحابه بالاتّفاق، فكيف يُشبّه أحدهما بالآخر، إن هذا لشيء عجيبٌ.

والحاصل أن ما قاله الحافظ ابن عبد البرّ - رحمه الله - له وجه وجيه فيما أراه، والله تعالى أعلم.

(وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ)؛ أي: هَدَرٌ، وليس المراد أنَّه لا زكاة فيه، وإنما المعنى أن من استأجر رجلًا للعمل في معدن مثلًا، فهلك فهو هَدَرٌ، ولا شيء على من استأجره.

ووقع في رواية الأسود بن العلاء الآتية: "والمعدن جَرْحها جُبار"، والحكم فيه ما تقدم في البئر، لكن البئر مؤنثة، والمعدن مذكَّر، فكأنه ذَكَرَه بالتأنيث للمؤاخاة، أو لملاحظة أرض المعدن، فلو حَفَر معدنًا في مُلكه، أو في موات، فوقع فيه شخص فمات، فدمه هَدَرٌ، وكذا لو استأجر أجيرًا يَعْمَل له، فانهار عليه فمات، ويلتحق بالبئر والمعدن في ذلك كل أجير على عمل، كمن استؤجر على صعود نخلة، فسقط منها فمات.

وقال ابن قُدامة - رحمه الله -: اشتقاق المعدن، من عَدَن بالمكان يَعدِنُ: إذا أقام به، ومنه سمِّيت الجنّة جنّة عدن؛ لأنها دار إقامة، وخلود. قال أحمد: المعادن: هي التي تُستَنبَط، ليس هو شيء دُفِن. وقال أيضًا: هو كلّ ما خرج من الأرض، مما يُخلق فيها، مما له قيمة، كالذهب، والفضّة، والرصاص، والصُّفْر، والحديد، والياقوت، والزبرجد، والْبِلَّوْر، والعقيق، ونحوها، وكذلك المعادن الجارية، كالقار، والنفط، والكبريت، ونحو ذلك.

فمن أخرج شيئًا من ذلك فعليه الزكاة من وقته، عند أحمد، وقال مالك، والشافعيّ: لا تتعلّق الزكاة إلا بالذهب والفضّة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا زكاة في حَجَر".

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما ذهب إليه أحمد هو الأرجح عندي؛ لعموم قوله تعالى: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} الآية [البقرة: ٢٦٧]، والحديث الذي احتجّ به مالكٌ، والشافعيّ ضعيف، لا يصلح للاحتجاج به؛ لأنه رواه عن عمرو بن شعيب، كلٌّ من عُمَر بن أبي عمر الكَلَاعِيّ، وعثمان بن عبد الرحمن الوقّاصيّ، ومحمد بن عبيد الله العَرْزَميّ، وكلهم ضعفاء. وأوجب الحنفيّة في المعدن الخُمس؛ لأنه عندهم ركاز، والصحيح أن