للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الظلم وضع الشيء في غير موضعه، ومن أمثال العرب في الشِّبَه: "من أشبه أباه فما ظلم"، قال الأصمعيّ: ما وضع الشَّبَهَ في غير موضعه، وفي المثل: "مَن استرعَى الذئبَ فقد ظَلَم"، والظلم أيضًا: الْجَوْر، ومجاوزة الحدّ، والظلم أيضًا: الميل عن القصد، والعرب تقول: الزم هذا الصَّوْبَ، ولا تظلم عنه، أي لا تَجُرْ عنه. قاله ابن منظور (١).

وقال القاضي عياض: الظلم في كلام العرب: وضع الشيء في غير موضعه، ثم استُعمل في كلّ عَسْفٍ، فمن كفر بالله، وجحد آياته، وعبد غيره، فقد عَدَلَ عن الحقّ، وتَعَسّف في فعله، ووضع عبادته في غير موضعها، وكذلك في غير ذلك من الأشياء، ومنه قولهم: ظَلَمتُ السِّقَاءَ: إذا سقيته قبل إخراج زُبْده، وظَلَمتُ الأرضَ: إذا حَفَرتَ غير موضع الحفر، وقولهم: لزموا الطريق، فلم يظلموه: أي لم يَعْدِلوا عنه إلى غير طريق، فإطلاقه على الكفر والشرك كثير، كما في هاتين الآتين، وقيل ذلك في قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} الآية [فاطر: ٣٢]، وقوله تعالى: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا} الآية [النمل: ٥٢]، والمؤمن العاصي ظالمٌ من حيث تعدّيه الأوامر والنواهي، ووضعها غير موضعها، ونقص إيمانه بذلك، وقد يقع الظلم بمعنى النقص، وقد قيل ذلك في قوله تعالى: {وَمَا ظَلَمُونَا} الآية [البقرة: ٥٧]، وفي قوله سبحانه وتعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} الآية [فاطر: ٣٢]، وهو بمعنى الأول. انتهى كلام القاضي (٢).

فمعنى قوله: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: ٨٢]: أي لم يخلطوه بشرك.

وقال محمد بن إسماعيل التميميّ في "شرحه": معنى الآية: لم يُفسدوا إيمانهم، ويُبطلوه بكفر؛ لأن خلط الإيمان بالشرك لا يُتَصَوَّر: أي لم يَخلطوا صفة الكفر بصفة الإيمان، فتَحصُلَ لهم صفتان: إيمان متقدّم، وكفر متأخر، بأن كفروا بعد إيمانهم، ويجوز أن يكون معناه: لم يُنافقوا، فيجمعوا بينهما ظاهرًا وباطنًا: أي لم يُنافقوا، وهذا أوجه، كما قاله الحافظ (٣).


(١) "لسان العرب" ١٢/ ٣٧٣.
(٢) "إكمال المعلم" ١/ ٥٠٧ - ٥٠٨.
(٣) "الفتح" ١/ ١١٠ - ١١١ "كتاب الإيمان" رقم الحديث (٣٢)، و"عمدة القاري" ١/ ٣٤٠.