للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَالُوا: أَيُّنَا) مضاف، ومضاف إليه مبتدأ خبره جملة قوله: (لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟) والجملة مقول القول، وفي رواية للبخاريّ: "أيّنا لم يظلم؟ "، بدون ذكر "نفسه"، وفي رواية له: "أينا لم يَلْبِس إيمانه بظلم؟ ".

والاستفهام للإنكار، أي ليس منا من لا يظلم نفسه.

(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ هُوَ كَمَا تَظُنُّونَ) أي ليس الأمر، أو ليس الظلم كما تظنّونه، من أن المراد به ظلم الإنسان نفسه (إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ) اختَلَف العلماء في نبوة لقمان، قال الإمام أبو إسحاق الثعلبيّ: اتَّفَقَ العلماء على أنه كان حكيمًا، ولم يكن نبيًّا إلا عكرمة، فإنه قال: كان نبيًّا، وتفرد بهذا القول، وأما ابنه الذي قال له: لا تشرك بالله، فقيل: اسمه أنعم، ويقال: مِشْكَم، والله تعالى أعلم، ذكره النوويّ (١).

وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره": هو لقمان بن عنقاء بن سدون، واسم ابنه ثاران في قول السهيليّ، واختَلَف السلف في لقمان، هل كان نبيًّا، أو عبدًا صالحًا من غير نبوة؟ على قولين: الأكثرون على الثاني، وقال سفيان الثوريّ، عن الأشعث، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان لقمان عبدًا حبشيًّا نَجّارًا، قال: وقال شعبة، عن الحكم، عن مجاهد: كان لقمان عبدًا صالحًا، ولم يكن نبيًّا، وقال الأعمش: قال مجاهد: كان لقمان عبدًا أسودَ، عظيم الشفتين، مُشَقَّق القدمين، وقال حَكّام بن سَلْم، عن سعيد الزَّبَيديّ، عن مجاهد: كان لقمان الحكيم عبدًا حبشيًّا، غليظ الشفتين، مصفح القدمين، قاضيًا على بني إسرائيل. وذكر غيره أنه كان قاضيًا على بني إسرائيل في زمان داود.

ثم قال ابن كثير - بعد ذكر الآثار -: فهذه الآثار، منها ما هو مُصَرَّح فيه بنفي كونه نبيًّا، ومنها ما هو مُشْعِر بذلك؛ لأن كونه عبدًا قد مَسّه الرّقّ، ينافي كونه نبيًّا؛ لأن الرسل كانت تبعث في أحساب قومها، ولهذا كان جمهور السلف على أنه لم يكن نبيًّا، وإنما يُنقَل كونه نبيًّا عن عكرمة، إن صَحّ السند


(١) "شرح النوويّ" ٢/ ١٤٤.