للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حَكم به، وبَدَّعُوه، وقال الحكم: الشاهد واليمين بدعة، وأول من حكم به معاوية.

قلت (١): يا للعجب! ولِضَيعة العلم والأدب! كيف ردَّ هؤلاء القوم هذه الأحاديث مع صحتها، وشهرتها؟! وكيف اجترؤوا على تبديع من عَمِل بها حتى نقضوا حكمه، واستقصروا علمه؟ مع أنَّه قد عَمِل بذلك الخلفاء الراشدون وغيرهم: أبو بكر، وعمر، وعليّ، وأُبَيّ بن كعب، ومعاوية، وشُريح، وعمر بن عبد العزيز، - وكتب به إلى عمَّاله -، وإياس بن معاوية، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو الزناد، وربيعة. ولذلك قال مالك: وإنَّه ليكفي من ذلك ما مضى من السُّنة، أترى هؤلاء تُنْقَض أحكامهم، ويُحكم ببدعتهم؟!.

قالوا: والذي حَمَل هؤلاء المانعين على هذا اللَّجَاج ما اغترُّوا به من واهن الحِجَاج، وذلك أنَّهم وقع لهم: أن الْحُكْم باليمين مع الشاهد زيادة على نصِّ قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: ٢٨٢]، ووجه تمسُّكهم: أنها حاصرة للوجوه التي يُستحَقُّ بها المالُ، نصٌّ في ذلك، والزيادة على ذلك نَسْخ، ونَسْخ القاطع بخبر الواحد لا يجوز إجماعًا، والقضاء بالشاهد واليمين إنَّما جاء بخبر الواحد فلا يُقبل.

والجواب: منعُ كون الزيادة على النصِّ نسخًا؛ إذ الجمع بين النصّ والزيادة يصحّ، وليس ذلك نسخًا لحكم شرعيّ، كما بيَّنَّاه في الأصول.

سلَّمناه، لكن لا نُسلِّم: أن الآية نصٌّ في حصر ذلك؛ لأنَّ ذلك يَبْطُل بنكول المطلوب، ويمين الطالب، فإن ذلك يُستَحَق به المال إجماعًا، وهذا معنى ما أشار إليه مالك في "الموطأ"، وهو واضح، ثمَّ نقول بموجب الآية؛ إذ نصُّها الأمر بمن يستشهد في المعاملات، لا ما يُقضى به عند الدَّعاوي والخصومات. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (٢)، وهو بحث نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.

وقد حقّق (٣) الإمام أبو عمر بن عبد البرّ رحمه الله هذا الموضع في كتابه


(١) القائل هو القرطبيّ رحمه اللهُ.
(٢) "المفهم" ٥/ ١٥٢ - ١٥٣.
(٣) وقد أجاد ابن حزم رحمه الله أيضًا في الردّ على هؤلاء الذين ردّوا حديث: "قضى بشاهد ويمين" في كتاب "المحلّى"، فراجعه ٩/ ٤٠٤ - ٤٠٥.