"التمهيد"، فقال - بعد ذكر الأحاديث المرفوعة - ما حاصله:
قال أبو عمر: أصحّ إسناد لهذا الحديث إسناد حديث ابن عباس، وأما حديث أبي هريرة، وحديث جعفر بن محمد، وغيرها فَحِسان، وإنما ذكرنا في هذا الباب الآثار المرفوعة لا غير، ولو ذكرنا الأسانيد عمن قَضَى بذلك من الصحابة، والتابعين، وعلماء المسلمين لطال ذلك.
وممن رُوي عنه القضاء باليمين مع الشاهد منصوصًا من الصحابة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وأُبَيّ بن كعب، وعبد الله بن عمر، وإن كان في الأسانيد عنهم ضعف، فإنّا لم نذكرهم على سبيل الحجة؛ لأن الحجة قد لَزِمت بالسُّنَّة الثابتة، ولا تحتاج السُّنَّة إلى من يتابعها؛ لأن من خالفها محجوج بها، ولم يأت عن أحد من الصحابة أنه أنكر اليمين مع الشاهد، بل جاء عنهم القول به، وعلى القول به جمهور التابعين بالمدينة: سعيد بن المسيِّب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، والقاسم بن محمد، وعروة، وسالم، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله، وخارجة بن زيد، وسليمان بن يسار، وعليّ بن حسين، وأبو جعفر محمد بن عليّ، وأبو الزناد، وعمر بن عبد العزيز، ولم يُختَلَف عن واحد من هؤلاء في ذلك، إلا عروة، فإنه اختُلِف فيه عنه، وكذلك اختُلف فيه عن ابن شهاب، فقال معمر: سألت الزهريّ عن اليمين مع الشاهد، فقال: هذا شيء أحدثه الناس، لا بُدّ من شهيدين، وقد رُوي عنه أنه أول ما وَلِي القضاء حَكَمَ بشاهد ويمين، وبه قال مالك، وأصحابه، والشافعيّ، وأتباعه، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو عبيد، وأبو ثور، وداود بن عليّ، وجماعة أهل الأثر، وهو الذي لا يجوز عندي خلافه؛ لتواتر الآثار به عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وعَمَل أهل المدينة به قرنًا بعد قرن، وقال مالك رحمه الله: يُقْضَى باليمين مع الشاهد في كل البلدان، ولم يَحتَجّ في "موطئه" لمسألة غيرها، ولم يُختَلَف عنه في القضاء باليمين مع الشاهد، ولا عن أحد من أصحابه بالمدينة، ومصر، وغيرها، ولا يَعرف المالكيون في كل بلد غير ذلك من مذهبهم، إلا عندنا بالأندلس، فإن يحيى بن يحيى تركه، وزَعَم أنه لم ير الليث بن سعد يفتي به، ولا يذهب إليه، وخالف يحيى مالكًا في ذلك، مع خلافه السُّنَّةَ، والعملَ بدار الهجرة، وقد كان مالك يقول: لا يقضى بالعُهْدة في