للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

التين: فيه تصديق لها فيما ذَكَرَته، كأنه رأى أن المعنى: وأنا أيضًا بالنسبة إليك مثل ذلك.

وتُعُقّب من جهة طرفي البغض والحب، فقد كان في المشركين من كان أشدّ أذى للنبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من هند وأهلها، وكان في المسلمين بعدَ أن أسلمت مَن هو أحبّ إلى النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منها ومن أهلها، فلا يمكن حمل الخبر على ظاهره.

وقال غيره: المعنى بقوله: "وأيضًا": ستزيدين في المحبة كلما تمكن الإيمان من قلبك، وترجعين عن البغض المذكور حتى لا يبقى له أثرٌ، فـ "أيضًا" خاصّ بما يتعلق بها، لا أن المراد بها: إني كنت في حقّك كما ذَكَرتِ في البغض، ثم صِرْت على خلافه في الحبّ، بل ساكت عن ذلك، ولا يَعْكُر على هذا قوله في "الروايات: "وأنا" إن ثبتت الرواية بذلك. انتهى (١).

وفي الحديث دلالة على وُفور عقل هند، وحسن تأتّيها في المخاطبة، ويؤخذ منه أن صاحب الحاجة يُستحب له أن يُقَدِّم بين يدي نجواه اعتذارًا إذا كان في نفس الذي يخاطبه عليه مَوْجِدة، وأن المعتَذِر يُستحب له أن يقدِّم ما يتأكد به صِدْقه عند من يَعْتَذر إليه؛ لأنَّ هندًا قدمت الاعتراف بذِكْر ما كانت عليه من البُغض؛ ليعلم صدقها فيما ادّعته من المحبة، وقد كانت هند في منزلة أمهات نساء النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنَّ أم حبيبة إحدى زوجاته بنت زوجها أبي سفيان (٢).

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قول هند: "يا رسول الله! والله ما كان على ظهر الأرض أهل خباءٍ"؛ أي: أهل بيت، كما قد جاء مفسَّرًا في بعض طرقه، وسُمِّي البيت: خباءً؛ لأنَّه يخبَّأ ما فيه. والخباء في الأصل: مصدر. تقول: خبأتُ الشيء خَبَاءً، وخِبَاءً. ووصفُ هند في هذا الحديث حالها في الكفر، وما كانت عليه من بغض رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبغض أهل بيته، وما آلت إليه حالها لمّا أسلمت، تَذَكُّرٌ لنعمة الله تعالى عليها بما أنقذها الله منه، وبما أوصلها إليه، وتعظيم لحرمة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولتنبسط فيما تريد أن تسأل عنه، ولتزول


(١) "الفتح" ٨/ ٥٣٢ - ٥٣٣، كتاب "مناقب الأنصار" رقم (٣٨٢٥).
(٢) "الفتح" ٨/ ٥٣٣، كتاب "مناقب الأنصار" رقم (٣٨٢٥).