للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

آلام القلوب لِمَا كان منها يوم أُحد في شأن حمزة، وغير ذلك. انتهى (١).

وقولها: (رَجُلٌ مُمْسِكٌ) وفي الرِّواية التالية: "مسيك"، وكلاهما بمعنى: شحيح، كما جاء في الرواية السابقة، قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: لَمْ تُرد هند: أنه شحيح مطلقًا، فتذمُّه بذلك؛ وإنما وصفت حاله معها، فإنَّه كان يقترُ عليها، وعلى أولادها، كما قالت: "لا يعطيني وبنيّ ما يكفيني"، وهذا لا يدلّ على البخل مطلقًا، فقد يفعل الإنسان مع أهل بيته؛ لأنه يرى غيرهم أحوج، وأَوْلى ليعطي غيرهم، وعلى هذا: فلا يجوز أن يُستدَلَّ بهذا الحديث على أنَّ أبا سفيان كان بخيلًا، فإنه لَمْ يكن معروفًا بهذا. انتهى (٢).

وقوله: (لَا حَرَجَ عَلَيْكِ أَنْ تُنْفِقِي عَلَيْهِمْ بِالْمَعْرُوفِ)، وفي الرواية السابقة: "خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك، ويكفي بنيك"، قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا الأمر على جهة الإباحة؛ بدليل قوله: "لا جناح عليك أن تنفقي عليهم بالمعروف"، ويعني بالمعروف: القَدْر الذي عُرِف بالعادة أنه كفاية، وهذه الإباحة وإن كانت مطلقة لفظًا فهي مقيّدة معني، فكأنه قال: إن صحَّ أو ثبت ما ذكرت فَخُذي.

قال: وفي هذا الحديث أبواب من الفقه:

فمنها: وجوب نفقة الزوجة والأولاد على أبيهم، وإن لأمهم طلب ذلك عند الحاكم، وسماع الدعوى على النائب، والحكم عليه، وإن كان قريب الغَيْبَة؛ إذا دعت حاجة الوقت إلى ذلك. وهو قول الجمهور. وقال الكوفيون: لا يُقضَى عليه بشيء.

وفيه دليل: على أنَّ النفقة ليست مقدَّرة بمقدار مخصوص؛ وإنما ذلك بحَسَب الكفاية المعتادة، خلافًا لمن ذهب: إلى أنَّها مقدَّرة.

وفيه دليل: على اعتبار العُرف في الإحكام الشرعية خلافًا للشافعية وغيرهم من المنكِرين له لفظًا، الآخذين به عملًا.

وقد استنبط البخاريّ منه: جواز حكم الحاكم بعلمه فيما اشتهر وعُرف.


(١) "المفهم" ٥/ ١٥٩.
(٢) "المفهم" ٥/ ١٥٩ - ١٦٠.