فقال:"باب حكم الحاكم بعلمه إذا لَمْ يَخَف الظنون والتُّهَم، وكان أمرًا مشهورًا"، وقد تقدم.
وفيه دليل: على أنَّ من تعذر عليه أخذ حقِّه من غريمه، ووصل من مال الغريم إلى شيء؛ كان له أخذه بأيّ وجه توصل إليه. واختُلِف فيما إذا ائتمنه الغريم، على مال فهل يأخذ منه حقَّه أم لا؟ على قولين. حكاهما الداوديّ عن مالك. ومشهور مذهبه المنع. وبه قال أبو حنيفة تمسُّكًا بقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك"(١)، وإلى الإجازة ذهب الشافعيّ، وابن المنذر، بناءً على أنَّ ذلك ليس بخيانة، وإنَّما هو وصول إلى حقٍّ.
قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى كون ما ذهب إليه الشافعيّ، وابن المنذر أرجح؛ لحديث قصّة هند - رضي الله عنها - هذه، وأما الاستدلال بقوله:"ولا تخن … إلخ" فليس بشيء؛ لأنَّ من أخذ حقّه بإذن من الشرع، لا يكون خائنًا، فتأمله بالإمعان، والله تعالى أعلم.
وفيه دليل: على أنَّ المرأة لا يجوز لها أن تأخذ من مال زوجها شيئًا بغير إذنه، قَلَّ ذلك، أو كَثُرَ. وهذا لا يُختَلَف فيه. ألا ترى: أنَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لهند في الرواية الأخرى - لمّا قالت له: فهل عليّ جناحٌ أن أُطعم مِن الذي له عيالنا؟ - قال لها:"لا"، ثم استثنى فقال:"إلَّا بالمعروف"، فمنَعها من أن تأخذ من ماله شيئًا إلَّا القَدْر الذي يجب لها. انتهى كلام القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -، وهذه الفوائد قد تقدّمت قريبًا، وإنما أعدتها لأني وجدتها في كلام القرطبيّ مجموعة، فأحببت أن أوردها، كما هي، فتنبّه.
والحديث متّفقٌ عليه، وقد مضى تمام البحث فيه قبل حديث، ولله الحمد والمنّة.
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف - رَحِمَهُ اللهُ - أَوَّل الكتاب قال: