للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا الله عنه: قد تقدَّم الردّ لهذا التفسير في "كتاب الإيمان" مستوفًى، وأن الرضا، والسخط، والكراهة من الصفات التي أثبتها الله لنفسه في كتابه، وأثبتها النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أحاديثه الصحيحة، فهي ثابتة له على ظاهرها، على ما يليق بجلاله، وأما قوله: "قال العلماء" فأراد به العلماء المتأخرين من الأشاعرة، وغيرهم الذين يؤولون هذه الصفات، ولا يُثبتونها لله - عَزَّ وَجَلَّ -، فإن أردت تحقيق المسألة، واستيفاء البحث فيها، فراجع شرح كتاب الإيمان، وبالله تعالى التوفيق.

(لَكُمْ ثَلَاثًا: فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ) العبادة عمل الطاعة، واجتناب المعاصي، وقد تقدّم في "كتاب الإيمان" تمام البحث في ذلك، فراجعه (١) تستفد، وبالله تعالى التوفيق. (وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) لأنَّ من أشرك معه في عبادته غيره لَمْ يعبده، فقوله: "شيئًا" يَحْتَمل أن يكون مفعولًا مطلقًا؛ أي: شركًا، وَيحتَمل أن يكون مفعولًا به؛ أي: أيّ شيء كان: كثيرًا أو قليلًا.

(وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا)؛ أي: تتمسّكوا بعهده، وهو اتّباع كتابه العزيز، وحدوده، والتأدب بآدابه، والحبل يُطلق على العهد، وعلى الأمان، وعلى الوصلة، وعلى السبب، وأصله من استعمال العرب الحبل في مثل هذه الأمور؛ لاستمساكهم بالحبل عند شدائد أمورهم، ويوصلون بها المتفرّق، فاستعير اسم الحبل لهذه الأمور، قاله النوويّ (٢).

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: الاعتصام بالشيء: هو التمسُّك به، والتحرز بسببه من الآفات، وأصل العصمة: المنع. تقول العرب: عصم فلانًا الطعامُ؛ أي: منعه من الجوع، وكَنُّوا السَّويق بأبي عاصم لذلك، فالمعتصم بالشيء يمتنع به من أسباب الهلاك والشدائد.

و"حبل الله" هنا: شَرْعُهُ الذي شَرَعَهُ، ودينه الذي ارتضاه. قال قتادة: هو القرآن. وهو بمعنى القول الأول. والحبل ينصرف على وجوه:

منها: العهد والوصل، وما يُنْجَى به من المخاوف.

ومنها: الأمان. وكلُّها متقاربة المعنى؛ لأنَّ الحبل في الأصل: واحد


(١) راجع: ١/ ٦٢٠.
(٢) "شرح النوويّ" ١٢/ ١١.