للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحبال التي تُرْبَط بها الآلات، وتُجمع بها المتفرقات، ثمَّ استعير لكل ما يُعَوَّل عليه، ويُتمسك به، ثمَّ كثر استعماله في العهد ونحوه.

ومعنى هذا: أن الله تعالى أوجب علينا التمسُّك بكتابه، وسُنَّة نبيّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والرجوع إليهما عند الاختلاف. انتهى (١).

وقال الزرقانيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: اختُلِف في المراد بحبل الله، فقال ابن مسعود، وقتادة، وغيرهما: هو القرآن، ورُجِّح لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن هذا القرآن هو حبل الله"، وفي لفظ: "القرآن حبل الله المتين"، حتى زعم بعضهم أن تفسيره بخلافه غفلة؛ إذ لا عِطر بعد عَروس.

وعن قتادة أيضًا وغيره: هو عهد الله، وأَمْره، وعن ابن مسعود: أنه الجماعة، قال ابن عبد البرّ: وهو الظاهر في الحديث، والأشبه بسياقه.

وأما القرآن فمأمور بالاعتصام به في غير ما آية، وغير ما حديث، غير أن المراد هنا: الجماعة على إمام يُسمَع له ويطاع، فيكون وليّ من لا ولي له في نكاح، وتقديم قضائه للعقد على أيتام، وسائر الإحكام، ويقيم الجمعة والعيد، وَيأْمن به السبل، وينتصف به المظلوم، ويجاهد عن الأمة عدوّها، ويقسم بينهما فيهما؛ لأنَّ الاختلاف والفُرقة هَلَكَةٌ، والجماعة نجاة، قال: وهو عندي معنى متداخل متقارب؛ لأنَّ القرآن يأمر بالأُلْفة، وينهى عن الفرقة. انتهى (٢).

وقال في "التمهيد" - بعد ذكر ما تقدّم -: قال ابن المبارك - رَحِمَهُ اللهُ -[من البسيط]:

إِنَّ الْجَمَاعَةَ حَبْلُ اللهِ فَاعَتَصِمُوا … مِنْهُ بِعُرْوَتهِ الْوُثْقَى لِمَنْ دَانَا

كَمْ يَرْفَعِ اللهُ بِالسُّلْطَانِ مَظْلَمَةً … فِي دِينِنَا رَحْمَةً مِنْهُ وَدُنْيَانَا

لَوْلَا الْخِلَافَةُ لَمْ تُؤمَنْ لَنَا سُبُلٌ … وَكَانَ أَضْعَفُنَا نَهْبًا لِأَقْوَانَا (٣)

وقوله: (وَلَا تَفَرَّقُوا)؛ أي: اجتمعوا على الاعتصام بالكتاب والسُّنة اعتقادًا، وعملًا، فتَتّفق كلمتكم، وينتظم شتاتكم، فتَتمّ لكم مصالح الدنيا


(١) "المفهم" ٥/ ١٦٣.
(٢) "شرح الزرقانيّ على الموطأ" ٤/ ٥٢٧.
(٣) "التمهيد" ٢١/ ٢٧٥.