للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أربع لغات: أُمٌّ بضم الهمزة، وكسرها، وأُمَّةٌ، وأُمَّهَةٌ، فالأُمَّهَاتُ، والأُمَّاتُ لغتان، ليست إحداهما أصلًا للأخرى، ولا حاجة إلى في عوى حذف، ولا زيادة. انتهى (١).

وتخصيص الأمهات، من تخصيص الشيء بالذكر؛ إظهارًا لعظم شأنه، وقيل: خصّ الأمهات بالذكر؛ لأنَّ العقوق إليهنّ أسرع من الآباء؛ لِضَعف النساء، وليُنبّه على أنَّ برّ الأمّ مقدّم على برِّ الأب في التلطّف، والحنُوّ، ونحو ذلك (٢).

وقال الطيبيّ نقلًا عن الخطابيّ: لَمْ يَخُصّ الأمهات بالعقوق، فإن عقوق الآباء محرّم أيضًا، ولكن نبّه بأحدهما على الآخر، فإن برّ الأم مقدّم على برّ الأب؛ لأنَّ لعقوق الأمهات مزيّة في القبح، وحقّ الأب مقدّم في الطاعة، وحسن المتابعة لرأيه، والنفوذ لأمره، وقبول الأدب منه. انتهى (٣).

(وَوَأْدَ الْبَنَاتِ) - بسكون الهمزة - هو دفن البنات بالحياة، وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك؛ كراهةً فيهنّ، ويقال: إن أول من فعل ذلك قيس بن عاصم التميميّ، وكان بعض أعدائه أغار عليه، فَأسَر بنته، فاتخذها لنفسه، ثم حصل بينهم صلح، فَخَيَّر ابنته، فاختارت زوجها، فآلى قيس على نفسه أن لا تولد له بنت إلَّا دفنها حية، فتبعه العرب في ذلك، وكان من العرب فريق ثان يقتلون أولادهم مطلقًا؛ إما نَفَاسَةً منه على ما ينقصه من ماله، وإما من عدم ما ينفقه عليه، وقد ذكر الله أمرهم في القرآن في عدة آيات، وكان صعصعة بن ناجية التميميّ، وهو جدّ الفرزدق همام بن غالب بن صعصعة أوّلَ من فَدَى الموؤودة، وذلك أنه يَعْمِد إلى من يريد أن يفعل ذلك، فيفدي الولد منه بمال يتفقان عليه، وإلى ذلك أشار الفرزدق بقوله [من المتقارب]:

وَجَدِّي الَّذِي مَنَعَ الْوَائِدَاتِ … وَأَحْيَا الْوَئِيدَ فَلَمْ يُوأَدِ

وهذا محمول على الفريق الثاني، وقد بقي كلٌّ من قيس وصعصعة إلى أن أدركا الإسلام، ولهما صحبة.


(١) "المصباح المنير" ١/ ٢٣.
(٢) "الفتح" ٦/ ٢١٧، كتاب "الاستقراض" رقم (٢٤٠٨).
(٣) "الكاشف عن حقائق السنن" ١٠/ ٣١٥٧.