للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وإنما خَصّ البنات بالذكر؛ لأنه كان الغالب من فعلهم؛ لأنَّ الذكور مظنة القدرة على الاكتساب، وكانوا في صفة الوأد على طريقين: أحدهما: أن يأمر امرأته إذا قَرُب وضعها أن تُطْلَق بجانب حَفِيرة، فإذا وضعت ذكرًا أبقته، وإذا وضعت أنثى طرحتها في الحفيرة، وهذا أليق بالفريق الأول.

ومنهم من كان إذا صارت البنت سُدَاسيّة قال لأمها: طيِّبيها، وزيِّنيها لأزور بها أقاربها، ثم يَبْعُد بها في الصحراء، حتى يأتي البئر، فيقول لها: انظري فيها، ويدفعها من خلفها، وَيطُمُّها، وهذا اللائق بالفريق الثاني، والله أعلم (١).

وقال الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قيل: قدّم عقوق الأمهات؛ لأنهنَّ الأصول، وعقّبه بوأد البنات؛ لأنهنّ الفروع، وكان ذلك تنبيهًا على أنَّ أكبر الكبائر هو قطع النسل الذي هو موجب لخراب العالم. انتهى (٢).

(وَمَنْعًا وَهَاتِ) قال في "الفتح": وقع في رواية غير أبي ذرّ، وفي "الاستقراض": "ومَنْعَ " بغير تنوين، وهي في الموضعين بسكون النون، مصدرُ مَنَعَ يَمْنَع.

وأما "هات" فبكسر المثناة: فعلُ أمر من الإيتاء، قال الخليل: أصل هات: آت، فقُلبت الألف هاء.

والحاصل من النهي منعُ ما أُمر بإعطائه، وطلب ما لا يستحقّ أخذه.

ويَحْتَمِل أن يكون النهي عن السؤال مطلقًا، ويكون ذَكَرَه هنا مع ضدّه، ثم أعيد تأكيدًا للنهي عنه، ثم هو مُحْتَمِل أن يدخل في النهي ما يكون خطابًا لاثنين، كما ينهى الطالب عن طلب ما لا يستحقه، وينهى المطلوب منه عن إعطاء ما لا يستحقه الطالب؛ لئلا يعينه على الإثم. انتهى (٣).

وقال الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "ومنعًا وهات"؛ أي: حرّم عليكم منع ما عليكم إعطاؤه، وطلب ما ليس لكم أخذه، وقيل: نهي عن منع الواجب من


(١) "الفتح" ١٣/ ٥٠٢ رقم (٥٩٧٥).
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ١٠/ ٣١٥٧.
(٣) "الفتح" ١٣/ ٥٠١، كتاب "الأدب" رقم (٥٩٧٥).