للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دَرّاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو أن أحدكم يعمل في صخرة صَمّاء، ليس لها بابٌ، ولا كوّة لخرج عمله للناس، كائنًا ما كان" (١).

ثم قال: {يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ} أي بحدودها، وفروضها، وأوقاتها {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} أي بحسب طاقتك وجهدك {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} عَلِمَ أن الآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر لا بد أن يناله من الناس أذًى، فأمره بالصبر.

وقوله: {إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} أي إن الصبر على أذى الناس لمن عزم الأمور.

وقوله: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} يقول: لا تُعرِض بوجهك عن الناس، إذا كلمتهم، أو كلموك؛ احتقارًا منك لهم، واستكبارًا عليهم، ولكن أَلِنْ جانبك، وابسط وجهك إليهم، كما جاء في الحديث: "ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط، وإياك وإسبالَ الإزار، فإنها من المخيلة، والمخيلة لا يحبها الله" (٢).

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} يقول: لا تتكبر، فتحتقرَ عباد الله، وتُعْرِض عنهم بوجهك إذا كلموك، وكذا رَوَى الْعَوْفيّ، وعكرمة عنه، وقال مالك، عن زيد بن أسلم: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} لا تتكلم، وأنت معرضٌ، وكذا رُوي عن مجاهد،. وعكرمة، ويزيد بن الأصمّ، وأبي الجوزاء، وسعيد بن جبير، والضحاك، وابن زيد، وغيرهم، وقال إبراهيم النخعيّ: يعني بذلك: التشديق في الكلام، والصواب القول الأول.

قال ابن جرير: وأصل الصَّعْر داءٌ يأخذ الإبل في أعناقها، أو رؤوسها، فشُبِّه به الرجل المتكبر، ومنه قول عمرو بن حُنَيّ التغلبيّ [من الطويل]:

وَكُنَّا إِذَا الْجَبَّارُ صعَّرَ خَدَّهُ … أَقَمْنَا لَهُ مِنْ مَيْلِهِ فَتَقَوَّمَا


(١) ضعيف لضعف درّاج في روايته عن أبي الهيثم، وفيه أيضًا ابن لهيعة، والكلام فيه مشهور.
(٢) أخرجه أبو داود بإسناد صحيح ٤/ ٥٦.