شاهدًا، فلئلا يكون قاضيًا أَولى، فأما الخبر فأخبر بوقوع كونهم أمراء، لا بمشروعيته، والنزاع في صحة توليته، لا في وجودها.
[الشرط الثالث]: أن يكون من أهل الاجتهاد، وبهذا قال مالك، والشافعيّ، وبعض الحنفية، وقال بعضهم: يجوز أن يكون عاميًّا، فيحكم بالتقليد؛ لأنَّ الغرض منه فصل الخصائم، فإذا أمكنه ذلك بالتقليد جاز، كما يَحكم بقول المقوِّمين. ولنا قول الله تعالى:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}[المائدة: ٤٩] ولم يقل بالتقليد، وقال:{لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}[النساء: ١٠٥]، وقال:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية [النساء: ٥٩]، ورَوَى بُريدة، عن رسول اللُّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال:"القضاة ثلاثة: اثنان في النار، وواحد في الجَنَّة: رجل عَلِم الحقّ فقضى به فهو في الجَنَّة، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار، ورجل جارَ في الحكم فهو في النار"، حديث صحيحٌ، رواه أبو داود، وابن ماجة، والعاميّ يقضي على جهل، ولأن الحُكم آكد من الفتيا؛ لأنه فتيا وإلزام، ثم المفتي لا يجوز أن يكون عاميًّا مقلِّدًا فالحُكم أَولى.
[فإن قيل]: فالمفتي يجوز أن يُخبِر بما سَمِع.
[قلنا]: نعم، إلَّا أنه لا يكون مفتيًا في تلك الحال، وإنما هو مخبِر، فيحتاج أن يخبر عن رجل بعينه، من أهل الاجتهاد، فيكون معمولًا بخبره، لا بفتياه، ويخالف قول معرفته المقولين؛ لأنَّ ذلك لا يُمْكن الحاكم معرفته بنفسه، بخلاف الحكم.
إذا ثبت هذا فمِن شَرْط الاجتهاد معرفة ستة أشياء: الكتاب، والسُّنَّة، والإجماع، والاختلاف، والقياس، ولسان العرب:
أما الكتاب فيحتاج أن يَعرف منه عشر أشياء: الخاص والعام، والمُطلَق والمقيَّد، والمحكَم والمتشابِه، والمُجمَل والمفسَّر، والناسخ والمنسوخ، في الآياتِ المتعلقة بالأحكام، وذلك نحو خمسمائة، ولا يلزمه معرفة سائر القرآن.
وأما السُّنَّة فيحتاج إلى معرفته ما يتعلق منها بالأحكام، دون سائر الأخبار، من ذكر الجَنَّة والنار والرقائق، ويحتاج أن يَعرف منها ما يَعرف من