للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأَولى من القولين على أصول إمامه، واختلف أصحابنا فيمن يحفظ أقوالَ إمامه فقط، هل يصلح للحكم عند الضرورة أو لا؟ على قولين، فمن أجاز شَرَط فيه أنه لا يخرج عن نصوص إمامه، أو نصوص من فَهِم عن إمامه، فإذا تعارض عنده الأقوال لم يحكم بشيء منه أصلًا حتى يسأل عن الأرجح مَنْ له أهليّة الترجيح، ولا يَحكم بنظره أصلًا، إذ لا نظر له، ومتى فعل شيئًا من ذلك كان حكمه منقوضًا، وقوله مردودًا. وقد كان أهل الأندلس يرجّحون الأقوال بالناقلين لها من غير نظر في توجيه شيء منها، فيقولون: إن قول ابن القاسم، ونَقْله أَولى من نَقْل غيره، وقوله؛ بناءً على أن ابن القاسم اقتصر على مالك، ولم يتفقّه بغيره، ولطول ملازمته له، فإن لم نجد لابن القاسم قولًا كان قول أشهب أَولى من قول ابن عبد الحكم؛ لأنه أخذ عن الشافعيّ، فخلّط، وهكذا، وقد بلغني أنهم كانوا بالأندلس يشترطون على القضاة في سجلّاتهم مراعاة ذلك الترتيب.

قال القرطبيّ: وهذه رتبة لا أخسّ منها؛ إذ صاحبها معزول عن رتبة الفقهاء، ومنخرطٌ في زمرة الأغبياء، إذ لا يفهم معاني الأقوال، ولا يعرف فَصْل ما بين الحلال والحرام، فَحَقُّ هذا أن لا يتعاطى منصب الأحكام، فإنه من جملة العوامّ، والمشهور أنه لا يُستقضى مَن عرِي عن الاجتهاد المذكور، ولذلك قال القاضي أبو محمد عبد الوهّاب: ولا يُستقضى إلا فقيه من اْهل الاجتهاد، وهذا محمول على ما تقدّم. والله تعالى أعلم.

والاجتهاد المعنيّ في هذا الباب هو: بذل الوسع في طلب الحكم الشرعيّ في النوازل على ما قلناه. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي نقله القرطبيّ عن الأندلسيين قولٌ ظاهر البطلان، كما أشار إليه القرطبيّ في تعقّبه المذكور، فقد أجاد، وأحسن. والله تعالى أعلم.

وقد قسم النوويّ في "شرح المهذب" (٢) المفتين إلى قسمين: مستقلّ، وغير مستقلّ، ثم ذكر شرط المستقلّ، وهو المجتهد المطلق، ثم قال:


(١) "المفهم" ٥/ ١٦٨ - ١٦٩.
(٢) "شرح المهذب" ١/ ٧٥ - ٧٧.