[القسم الثاني]: المفتي الذي ليس بمستقلّ، ومِن دَهْر طويل عُدم المفتي المستقلّ، وصارت الفتوى إلى المنتسبين إلى المذاهب المتبوعة، وللمفتي المنتسب أربعة أحوال:
[أحدها]: أن لا يكون مقلّدًا لإمامه، لا في المذهب، ولا في دليله؛ لاتصافه بصفة المستقلّ، وإنما يُنسب إليه لسلوكه طريقه في الاجتهاد.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: يا للعجب! ما فائدة عدّ مثل هذا من المنتسبين؟، أفما يَحْسُن أن يقال: هو مجتهد مستقلّ، له آراؤه مثل الإمام الذي تفقّه عليه، وتخرّج من مدرسته؟ فما المانع من هذا؟ حتى يقال له: إنه منتسب إلى مذهب فلان، إن هذا لهو العجب العجاب.
ثم قال:[الحالة الثانية]: أن يكون مجتهدًا مقيَّدًا في مذهب إمامه، مستقلًّا بتقرير أصوله بالدليل، غير أنه لا يتجاوز في أدلّته أصول إمامه وقواعده، وشَرْطه كونه عالمًا بالفقه وأصوله، وأدلّة الأحكام تفصيلًا، بصيرًا بمسالك الأقيسة والمعاني، تامّ الارتياض في التخريج والاستنباط، قيّمًا بإلحاق ما ليس منصوصًا عليه لإمامه بأصوله، ولا يَعرَى عن شوب تقليد له، لإخلاله ببعض أدوات المستقلّ، بأن يُخلّ بالحديث، أو العربيّة، وكثيرًا ما أخلّ بهما المقيَّد، ثم يتّخذ نصوص إمامه أصولًا يَستنبط منها، كفعل المستقلّ بنصوص الشرع، وربّما اكتفى في الحكم بدليل إمامه، ولا يبحث عن معارض كفعل المستقلّ في النصوص، وهذه صفة أصحابنا أصحاب الوجوه … إلى آخر كلامه.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله النوويّ فيه نظرٌ من وجوه:
[الأول]: قولهم: فُقِد المجتهد المستقلّ من دهر طويل قولٌ لا برهان له، وهو نظير قول بعضهم: إن شرائط المجتهد التي ذكروها في هذا الباب لم توجد منذ أن نشأ الإسلام إلى الآن إلا في الأئمة الأربعة، وهو كلام يكذّبه الواقع في كلّ عصر ومصر، فقد وُجد ممن يتّصف بمثل أوصافهم، كثيرون ممن عاصرهم، أو سبقهم، أو تأخر عنهم، وإنما ميزتهم أن أتباعهم أكثر من غيرهم.
[الثاني]: أن الشروط التي ذكرها النوويّ للمجتهد المقيّد هي الشروط