المذكورة للمطلَق إلا التي استثناها أخيرًا، وهي موجودة بكثرة في كثير من الأعصار عند كثير من أهل العلم.
[الثالث]: قوله: لا يتجاوز في أدلّته أصول إمامه قولٌ لا يخفى فساده، فإن من كان بهذه الرتبة لا يجوز له أن يقلّد أحدًا، دون شكّ، ولا ريب؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال في محكم كتابه:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[النحل: ٤٣، الأنبياء: ٧]، فقد قَسَم الناس إلى قسمين: عالم، وجاهل، فأما العالم فواجبه العمل بعلمه، لا بعلم غيره، وأما الجاهل فواجبه أن يسأل أهل العلم، فيعمل بما أفتوه به، وهذا الشخص الذي وصفه النوويّ بهذه الأوصاف العليّة لا أحد ممن له وعيٌ يقول: إنه من القسم الثاني، فوجب كونه من القسم الأول، فلا يجوز له أن يقلّد أحدًا غيره، بل يجب عليه العمل بعلمه.
[الرابع]: أن هذا التقسيم الذي ذكروه للمجتهد ليس قولَ أحد من علماء السلف، لا الإمام الشافعيّ، ولا غيره من الأئمة، بل كانوا ينهون تلاميذهم الذين جعلهم المتأخرون مجتهدين في المذهب، كالمزنيّ، وغيره أن يقلّدوهم، كما هو معروف في سِيَرِهم، وتراجمهم رحمهم الله تعالى.
[الخامس]: أن هذا الكلام مناقض لِمَا ثبت في أصول الفقه من تعريف التقليد بأنه: الأخذ بقول الغير من غير معرفة دليله، فإن من الواضح أن من وَصَفه النوويّ بهذه الصفات قد عرف أدلّة إمامه: منطوقها، ومفهومها، واستطاع أن يستخرج من منصوصها ما لم ينصّ عليه إمامه، فكيف يسمّى هذا مقلِّدًا؟، هيهات هيهات.
[السادس]: أن من توافرت فيه هذه الصفات التي ذكرها النوويّ للمقيّد حسب زعمه لو اجتهد بدراسة النصوص من الكتاب والسُّنَّة، مراعيًا ما يُراعيه في دراسة نصوص إمامه كما ذكره النوويّ في كلامه السابق، باذلًا جهده كلّ البذل، لاستطاع أن يستنبط الأحكام منها، بل الآيات القرآنيّة، والأحاديث النبويّة أسهل على مثله بكثير من كلام الأئمة، وهذا لا يُنكره إلا مقلّد جامد، أو متعصّب معاند.
والحاصل أن هذه المزاعم مجرّد خيال، لا رَوَاج لها في سوق التحقيق، بل هي آراء متناقضة، ينقضى بعضها بعضًا، كما أشرنا إليه آنفًا، وعوائق صادّة