سيّد الناس، ثم تلميذه زين الدين العراقيّ، ثم تلميذه ابن حجر العسقلانيّ، ثم تلميذه السيوطيّ، فهؤلاء ستة أعلام، كلّ واحد منهم تلميذ مَنْ قَبْله، قد بلغوا من المعارف العلميّة ما يعرفه من يعرف مصنّفاتهم حقّ معرفتها، وكلّ واحد منهم إمام كبير في الكتاب والسُّنّة، محيط بعلوم الاجتهاد، إحاطةً متضاعفة، عالم بعلوم خارجة عنها.
ثم في المعاصرين لهؤلاء كثير من المماثلين لهم، وجاء بعدهم مَنْ لا يقصر عن بلوغ مراتبهم، والتعداد لبعضهم، فضلًا عن كلّهم يحتاج إلى بسط طويل. وقد قال الزركشيّ في "البحر المحيط" ٦/ ٢٠٩ ما لفظه: ولم يختلف اثنان في أن ابن عبد السلام بلغ رتبة الاجتهاد، وكذلك ابن دقيق العيد. انتهى.
وحكاية هذا الإجماع من هذا الشافعيّ يكفي في مقابلة حكاية الاتفاق من ذلك الشافعيّ الرافعيّ.
وبالجملة فتطويل البحث في مثل هذا لا يأتي بكثير فائدة، فإن أَمْره أوضح من كلّ واضح، وليس ما يقوله من كان من أُسراء التقليد بلازم لمن فتح الله عليه أبواب المعارف، ورزقه من العلم ما يخرُج به عن تقليد الرجال، وما هذه بأوّل فاقرة جاء بها المقلّدون، ولا هي بأول مقالة قالها المقصّرون، ومن حصر فَضْل الله تعالى على بعض خلقه، وقَصَر فَهْم هذه الشريعة المطهّرة على من تقدّم عصره، فقد تجرّأ على الله عز وجل، ثم على شريعته الموضوعة لكلّ عباده، ثم على عباده الذين تعبّدهم الله تعالى بالكتاب والسُّنّة.
ويا لله العجب من مقالات هي جهالات وضلالات، فإن هذه المقالة تستلزم رفع التعبّد بالكتاب والسُّنّة، وأنه لم يبق إلا تقليد الرجال الذين هم متعبَّدون بالكتاب والسُّنّة، كتعبّد من جاء بعدهم على حدّ سواء، فإن كان التعبّد بالكتاب والسُّنّة مختصًّا بمن كانوا في العصور السابقة، ولم يبق لهؤلاء إلا التقليد لمن تقدّمهم، ولا يتمكّنون من معرفة أحكام الله من كتاب الله عز وجل، وسُنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فما الدليل على هذه التفرقة الباطلة، والمقالة الزائفة؟، وهل النسخ إلا هذا، {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}[النور: ١٦] انتهى كلام الشوكانيّ رحمه الله في كتابه النفيس: "إرشاد الفحول إلى تحقيق الحقّ من علم