والفعل مرفوع، والنفي بمعنى النهي. (يَحْكُمْ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْن، وَهُوَ غَضْبَانُ") وفي رواية البخاريّ: "لا يقضين حَكَمٌ بين اثنين، وهو غضبان"، وفي رواية الشافعيّ، عن سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن عمير بسنده: "لا يقضي القاضي، أو لا يحكم الحاكم بين اثنين، وهو غضبان"، ولم يذكر القصة.
والْحَكَم - بفتحتين -: هو الحاكم، وقد يُطلق على القَيِّم بما يُسْنَد إليه.
قال المهلَّب: سبب هذا النهي أن الحكم حالة الغضب قد يتجاوز بالحاكم إلى غير الحقّ فمُنِع، وبذلك قال فقهاء الأمصار.
وقال ابن دقيق العيد: فيه النهي عن الحكم حالة الغضب؛ لِمَا يحصل بسببه من التغير الذي يَختَلّ به النظر، فلا يحصل استيفاء الحكم على الوجه، قال: وعَدّاه الفقهاء بهذا المعنى إلى كل ما يحصل به تغير الفكر، كالجوع، والعطش المُفْرِطَيْن، وغلبة النعاس، وسائر ما يتعلق به القلب، تعلقًا يَشغَله عن استيفاء النظر، وهو قياسُ مَظِنّة على مظنة، وكأن الحكمة في الاقتصار على ذِكر الغضب؛ لاستيلائه على النفس، وصعوبة مقاومته، بخلاف غيره.
وقد أخرج البيهقي بسند ضعيف، عن أبي سعيد رفعه: "لا يقض القاضي إلا وهو شبعان، ريّان".
وقول الشيخ: وهو قياس مظنة على مظنة صحيح، وهو استنباط معنى دل عليه النص، فإنه لَمّا نُهِيَ عن الحكم حالة الغضب، فُهم منه أن الحكم لا يكون إلا في حالة استقامة الفكر، فكانت علة النهي المعثى المشترك، وهو تغيّر الفكر، والوصف بالغضب يسمى علة، بمعنى أنه مشتمِل عليه، فأُلحق به ما في معناه، كالجائع، قال الإمام الشافعيّ رحمه الله في "الأم": أَكْرَهُ للحاكم أن يحكم، وهو جائع، أو تَعِبٌ، أو مشغول القلب، فإن ذلك يغيّر القلب. قاله في "الفتح" (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - هذا متّفقٌ عليه.
(١) "الفتح" ١٦/ ٦٥٠ - ٦٥١، كتاب "الأحكام" رقم (٧١٥٨).