للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال ابن الْمُنَيِّر: أدخل البخاريّ حديث أبي بكرة الدالّ على المنع، ثم حديث أبي مسعود الدالّ على الجواز؛ تنبيهًا منه على طريق الجمع، بأن يُجعل الجواز خاصًّا بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لوجود العصمة في حقه، والأمن من التعدي، أو أن غضبه إنما كان للحق، فمن كان في مثل حاله جاز، وإلا مُنع، وهو كما قيل في شهادة العدوّ: إن كانت دنيوية رُدّت، وإن كانت دينية لم تُرَدّ، قاله ابن دقيق العيد وغيره. انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي الأرجح قول من قال: لا ينفذ حكمه إن حكم في حال الغضب؛ لأن النهي للتحريم، وهو يقتضي الفساد، ولا يقاس بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - غيره في ذلك؛ لأنّ غضبه - صلى الله عليه وسلم - كرضاه، بخلاف غيره، قال القرطبيّ رحمه الله: ولا يُعارَضُ هذا الحديث بحكم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - للزبير بإمساك الماء إلى أن يبلغ الجُدُر، وقد غَضِب من قول الأنصاريّ: آن كان ابن عمّتك؟؛ لأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - معصوم من الهوى، والباطل، والخطأ في غضبه ورضاه، وصحّته ومرضه، ولذلك قال: "اكتبوا عنّي في الغضب والرضا"، ولذلك نفذت أحكامه، وعُمل بحديثه الصادر في حال شدّة مرضه، ونَزْعه، كما نفذ في حال صحّته ونشاطه. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله، وهو تحقيق نفيسٌ جدًّا (١).

والحاصل أن الأرجح كون النهي في حديث الباب للتحريم، وأن حُكْم الحاكم في حال غضبه لا ينفذ، ولا يقاس غير النبيّ - صلى الله عليه وسلم - به؛ للفرق الظاهر بينه وبين غيره، ممن يستفزّه الغضب والهوى، فتأمّل بالإمعان، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

وبالسند المتّصل إلى المؤلّف رحمه الله أوّل الكتاب قال:

[٤٤٨٣] ( … ) - (وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ (ح)، وحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ (ح)، وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ (ح)، وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ (ح)، وحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي كِلَاهُمَا، عَنْ شُعْبَةَ (ح)، وحَدَّثَنَا أَبُو


(١) "المفهم" ٥/ ١٧٠ - ١٧١.