للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والمراد: أن ذلك الأمر واجب الردّ، فيجب على الناس ردّه، ولا يجوز لأحد اتّباعه، والتقليد فيه. وقيل: ضمير "فهو" يعود إلى "من"؛ أي: فذلك الشخص مردود مطرود عن جملة أهل السُّنّة والجماعة، فيكون من الفرق الضالّة التي تفترق إليها هذه الأمة، كما أخبر بذلك النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فيما أخرجه ابن ماجه وغيره بإسناد صحيح، عن عوف بن مالك - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة، وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده لتفترقنّ أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة، وثنتان وسبعون في النار"، قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: "الجماعة" (١)

وقال البيضاويّ رحمه الله: الأمر حقيقةٌ في القول الطالب للفعل، مجاز في الفعل، والشأن، والطريق، وأُطلق هنا على الدِّين من حيث إنه طريقه، أو شأنه الذي يتعلّق به، وهو مهتمّ بشأنه بحيث لا يخلو عن شيء من أقواله، وأفعاله، والمعنى: أن من أحدث في الإسلام رأيًا لم يكن له من الكتاب، والسُّنّة سند ظاهر، أو خفيّ، ملفوظ، أو مستنبَط، فهو مردود عليه.

وقال الطيبيّ رحمه الله: في وَصْف الأمر بـ "هذا" إشارة إلى أن الإسلام كمُلَ، واشتهر، وشاع، وظهر ظهور المحسوس، بحيث لا يخفى على كلّ ذي بصر وبصيرة، كقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} الآية [المائدة: ٣]، فمن رام الزيادة عليه حاول أمرًا غير مرضيّ؛ لأنه من قصور فهمه رآه ناقصًا، فعلى هذا يناسب أن يقال: قوله: "فهو" راجع إلى "من"؛ أي: من ابتغى الزيادة على الكمال، فهو ناقص مطرود، وفي قوله: "ما ليس منه" إشارة إلى أن إحداث ما لا ينازع الكتاب والسُّنّة ليس بمذموم.


(١) رواه ابن ماجه في كتاب "الفتن" من "سننه" برقم (٣٩٩٢)، وفي سنده عباد بن يوسف، روى عن جماعة، ووثّقه ابن حبّان، وغيره، راجع: "تهذيب التهذيب" ٢/ ٢٨٥. وراجع: "السلسلة الصحيحة" للشيخ الألباني رحمه الله تعالى ٣/ ٤٨٠ رقم (١٤٩٢).