للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تُلَاقُوا جِيَادًا لَا تَحِيدُ عَنِ الْوَغَى … إَذَا مَا غَدَتْ فِي الْمَأزَقِ الْمُتَدَانِي

فهذا على البدل، وكَرَّر الشاعر الفعل؛ لأن الفائدة فيما يليه من القول، قال النحاس: وأجود من الجزم لو كان بلا فاء الرفعُ، يكون في موضع الحال، كما قال الشاعر [من الطويل]:

مَتَى تَأتِهِ تَعْشُوا إِلَى ضَوْءِ نَارِهِ … تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مُوقِدِ (١)

({وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: ٢٨٤]).

قال الحافظ ابن كثير: أخبر الله سبحانه وتعالى أن له ملك السموات والأرض، وما فيهنّ، وأنه المطّلع على ما فيهنّ، لا تَخفى عليه الظواهر، ولا السرار، والضمائر، وإن دقّت، وخَفِيت، وأخبر أنه سيحاسب عباده على ما فعلوه، وما أخفَوْه في صدورهم، كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٩)} [آل عمران: ٢٩]: وقال: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (٧)} [طه: ٧] والآيات في هذا المعنى كثيرة جدًّا، وقد أخبر تعالى في هذه الآية بمزيد على العلم، وهو المحاسبة على ذلك، ولهذا لَمّا نزلت هذه الآية اشتدّ ذلك على الصحابة - رضي الله عنهم -، وخافوا منها، ومن محاسبة الله تعالى لهم على جليل الأعمال وحقيرها، وهذا من شدّة إيمانهم وإيقانهم (٢).

وقال ابن جرير: قوله تعالى: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} يعني بذلك جل ثناؤه: والله عز وجل على العفو عما أخفته نفس المؤمن من الهمة بالخطيئة، وعلى عقاب الكافر على ما أخفته نفسه من الشك في توحيد الله عز وجل ونبوة أنبيائه، ومجازاة كل واحد منهما على كل ما كان منه ذلك من الأمور قادر.

[تنبيه]: قال القرطبيّ في "المفهم" في الكلام على هذه الآية: "ما" هذه التي في أول الآية بمعنى الذي، وهي متناولة لمن يَعقل، وما لا يعقل، وهي هنا عامّة، لا تخصيص فيها بوجه؛ لأن كلّ من في السماوت والأرض، وما فيهما، وما بينهما خلقُ الله تعالى، وملك له، وهذا إنما يتمشّى على مذهب


(١) راجع: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبيّ ٣/ ٤٢٣ - ٤٢٤.
(٢) "تفسير ابن كثير" ٢/ ٥١٣ - ٥١٤.