للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أهل الحقّ والتحقيق الذين يُحيلون على الله تعالى أن يكون في السماء، أو في الأرض؛ إذ لو كان في شيء لكان محصورًا محدودًا، ولو كان كذلك لكان محدَثًا، وعلى هذه القاعدة، فقوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: ١٦]، وقول الأمة للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - حين قال لها: "أين الله؟ "، فقالت: في السماء، رواه مسلم (١)، ولم يُنكر عليها ذلك، وما قد روي عن بعض السلف أنهم كانوا يُطلقون ذلك ليس على ظاهره، بل هو مؤوّل تأويلات صحيحة، قد أبداها كثير من أهل العلم في كتبهم، لكن السلف - رضي الله عنهم - كانوا يجتنبون تأويل المتشابهات، ولا يتعرّضون لها، مع علمهم؛ لأن الله تعالى يستحيل عليه سِمَات المحدثات، ولوازم المخلوقات، واستيفاء المباحث هذه في علم الكلام. انتهى كلام القرطبيّ (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي ذكره القرطبيّ فيه نظر من وجوه:

[الأول]: قوله: يُحيلون على الله تعالى أن يكون في السماء … إلخ، كلام مجمل؛ لأنه إن أراد به أن الله تعالى ما استوى على العرش، فهذا باطل؛ لأنه أخبرنا عن نفسه بأنه استوى على العرش، وإن أراد استحالة كونه محصورًا داخل شيء في السموات أو في الأرض فهذا صحيح.

[الثاني]: أنه لا يُنكر إطلاق "الله في السماء"؛ لقوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ}، ولقول الجارية: "في السماء"، وأقرّها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عليه، بعد أن سألها بقوله: "أين الله؟ "، وليس بين هذا وبين آية الاستواء تعارض؛ لأن معنى "في السماء"على السماء، كما لا يخفى على بصير.

[الثالث]: أن قوله: وما روي عن بعض السلف أنهم كانوا يطلقون ذلك ليس على ظاهره … إلخ، إن أراد به أنهم يؤولون المعنى فغير صحيح؛ لأنهم يُثبتون المعنى، وإنما يفوّضون الكيفيّة فقط.


(١) رواه مسلم (٥٣٧)، وأبو داود (٩٣٠ و ٩٣١)، والنسائيّ (٣/ ١٤ - ١٨)، من حديث معاوية بن الحكم السُّلميّ - رضي الله عنه -.
(٢) "المفهم" ١/ ٣٣٥ - ٣٣٦.