للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[الرابع]: أن قوله: ولا يتعرّضون لها، إن أراد أنهم لا يتعرّضون لفهم معناها، فهذا غلط عليهم، فإنهم يعلمون المعنى، يعلمون أن معنى قوله تعالى: {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] علا وارتفع، ولكنهم يفوّضون الكيفيّة.

والحاصل أن مذهب السلف، وهو الحقّ في آيات الصفات، وأحاديثها الصحيحة أنهم يعلمون معانيها، ويُجرونها على ظواهرها، فيصفون الله تعالى بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - في أحاديثه الصحيحة، على ما يليق بجلاله سبحانه وتعالى، من غير تأويل، ولا تعطيل، ولا تحريف، مفوّضين كيفيتها إليه سبحانه وتعالى، عملًا بقو سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشوري: ١١]، فاسلك سبيلهم، فإنه الصراط المستقيم، ولا تمل إلى ما ابتدعه المتكلّمون، وأذنابهم من التأويلات والتحريفات، فإنه الضلال الذميم.

(قَالَ) أبو هريرة - رضي الله عنه -. قال النوويّ: إنما أعاد لفظة "قال "؛ لطول الكلام، فإن أصل الكلام: "لَمّا نَزَلت اشتد"، فلما طال حَسُن إعادة لفظة "قال"، وقد تقدم مثل هذا في موضعين من هذا الكتاب، وذكرتُ ذلك مُبَيَّنًا، وأنه جاء مثله في القرآن العزيز في قوله تعالى: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥)} [المؤمنون: ٣٥]، فأعاد {أَنَّكُمْ}، وقولِهِ: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ} [البقرة: ٨٩]، إلى قوله: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ}، والله تعالى أعلم. انتهى (١).

(فَاشْتَدَّ) قال بعض المحقّقين: الفاء عاطفةٌ على محذوف؛ لأن جواب "لَمّا" لا تلحقه الفاء، والتقدير: لَمّا نزلت عقلنا معناها، فاشتدّ ذلك علينا (ذَلِكَ) أي ما تضمّنته الآية (عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتوْا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ بَرَكُوا) بفتحتين، يقال: بَرَك البعير بُرُوكًا، من باب قَعَدَ: وَقَعَ على بَرْكِه، وهو صدره (٢). (عَلَى الرُّكَبِ) بضمّ، ففتح: جمع رُكبة، وهو مَوْصِل ما بين أسافل أطراف الفخذ، وأعالي الساق (٣). (فَقَالُوا: أَيْ رَسُولَ اللهِ) "أَيْ" حرف لنداء القريب، أو البعيد، أو المتوسّط فيه خلاف، ورجّح السيوطيّ الأخير، فقال في "الكوكب الساطع":


(١) "شرح النوويّ" ٢/ ١٤٥.
(٢) راجع: "المصباح المنير" ١/ ٤٥.
(٣) راجع: "القاموس المحيط" ص ٨٦.