الفلاة، وأما في القرية فيجب في الأصحّ، قال النوويّ: احتج أصحابنا بقوله - صلى الله عليه وسلم - في الرواية الأولى:"فإن جاء صاحبها، فأعطها إياه"، وأجابوا عن رواية مالك بأنه لم يذكر الغرامة، ولا نفاها، فثبت حكمها بدليل آخر. انتهى.
قال الحافظ: وهو يوهم أن الرواية الأولى من روايات مسلم فيها ذكر حكم الشاة إذا أكلها الملتقط، ولم أر ذلك في شيء من روايات مسلم، ولا غيره في حديث زيد بن خالد. نعم عند أبي داود، والترمذيّ، والنسائيّ، والطحاويّ، والدارقطنيُّ، من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، في ضالة الشاة:"فاجمعها، حتى يأتيها باغيها". انتهى (١).
وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "فضالةُ الغنم؟ "، فقال:"هي لك، أو لأخيك، أو للذئب": أي: لا بدَّ لها من حال من هذه الأحوال الثلاثة. و"أو" هذه للتقسيم والتنويع، ويفيد هذا أن الغنم إذا كانت في موضع يُخاف عليها فيه الهلاك جاز لملتقطها أكلها، ولا ضمان عليه؛ إذ قد سوّى بينه ويين الذئب، والذئب لا ضمان عليه، فالملتقط لا ضمان عليه، وهو مذهب مالك وأصحابه، وقد ضمَّنه الشافعيّ، وأبو حنيفة تمسكًا ببقاء ملك ربِّها عليها، وبما قد رُوي من حديث عمرو بن يثربيّ: أنَّه قال: "إن لقيتها لقحة تَحمل شفرة وأزنادًا فلا تمسَّها"، ولا حجَّة في شيء من ذلك؛ قد اتفقنا على أن لواجدها أخْذَها، وأكْلَها، والأصل: أنَّه لا يجوز التصرُّف في ملك الغير؛ فقد تركنا هذا الأصل، فلا نتمسك به في باب اللقطة؛ لأن الشرع قد سلَّط الملتقط عليها، ولمّا كانت هذه مآلها الهلاك إن تُركت ولا ضمان؛ كان أكْلها لواجدها أَولى بغير ضمان؛ لأنَّه انتفع بها رجل مسلم، ولا حجَّة أيضًا في الحديث لأنَّه من رواية عُمارة بن حارثة، وليس بالمشهور بالرواية، ولو سُلِّم أنه صحيح فلا حجَّة فيه أيضًا؛ لأنَّ ذلك القول إنما صدر عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - جوابًا لمن قال له: أرأيت إن لقيت غنم ابن عمي، فأخذت منها شاة، فأجزرتها؛ أعليّ في ذلك شيء؟ فأجابه - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فلم يسأله عن ضالة الغنم، بل عن غنم ابن عمِّه، وذلك عندما قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل لامرئ من مال أخيه شيء إلا بطيب نفسٍ