للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

التعريف؛ لأنَّ الحاج يرجع إلى بلده، وقد لا يعود، فاحتاج الملتقط إلى المبالغة في التعريف بها.

والظاهر القول الأول، وأن حديث النهي هذا مقيَّد بحديث أبي هريرة بأنه لا يحل التقاطها إلَّا لمنشد، فالذي اختصت به لقطة مكة بأنها لا تُلتَقط إلَّا للتعريف بها أبدًا، فلا تجوز للتملك، ويَحْتَمِل أن هذا الحديث في لقطة الحاج مطلقًا في مكة وغيرها؛ لأنه هنا مطلق، ولا دليل على تقييده بكونها في مكة. انتهى (١).

وذكر الخطيب الشربينيّ عن الشافعيّ - رَحِمَهُ اللهُ - أنه قال في قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تحلّ لقطة إلَّا لمنشد"؛ أي: لمعرّف، ففرّق بينها وبين غيرها، وأخبر أنَّها لا تحل إلَّا للتعريف، ولم يوقّت في التعريف بسنة كغيرها، فدلَّ على أنَّه أراد التعريف على الدوام، وإلَّا فلا فائدة في التخصيص، والمعنى أن حرم مكة - شرَّفها الله تعالى - مثابة للناس، يعودون إليه المرّة بعد الأخرى، فربّما يعود مالكها من أجلها، أو يَبعث في طلبها، فكأنه جعل ماله محفوظًا عليه، كما غُلِّظت الدية فيه (٢).

وذهب الجمهور إلى أن لقطة الحرم وغيره سواء، قال العلامة ابن قُدامة - رَحِمَهُ اللهُ -: وظاهر كلام أحمد، والخرقيّ أن لقطة الحلّ والحرم سواء، ورُوي ذلك عن ابن عمر، وابن عباس، وعائشة، وابن المسيِّب، وهو مذهب مالك، وأبي حنيفة.

وُروي عن أحمد رواية أخرى: أنه لا يجوز التقاط لقطة الحرم للتملك، وإنما يجوز حفظها لصاحبها، فإن التقطها عرَّفها أبدًا حتى يأتي صاحبها، وهو قول عبد الرَّحمن بن مهديّ، وأبي عبيد، وعن الشافعيِّ كالمذهبين، والحجة لهذا القول قول النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مكة: "لا تحل ساقطتها إلَّا لمنشد"، متفقّ عليه، وقال أبو عبيد: المنشد: المعرِّف، والناشد: الطالب، فيكون معناه: لا تحلّ لقطة مكة إلَّا لمن يعرّفها؛ لأنَّها خُصّت بهذا من سائر البلدان.


(١) "سبل السلام" ٣/ ٩٧.
(٢) راجع: "مغني المحتاج في شرح المنهاج" للخطيب الشربينيّ ٢/ ١٧.