للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فتقول: ضَلَلْتُهُ، وقال الفارابيّ: أَضْلَلْتُهُ، بالألف: أَضَعْتُهُ، فقول الغزاليّ: أَضَلَّ رَحْلَهُ حَمْلُهُ على الفِقدان أظهر من الإضاعة، وقوله: لا يجوز بيع الآبق، والضَّالّ، إن كان المراد الإنسان، فاللفظ صحيح، وإن كان المراد غيره، فينبغي أن يقال: والضَّالَّةِ بالهاء، فإن الضَّالَّ هو الإنسان، والضَّالَّةُ الحيوانُ الضائع، وضَلَّ الناسي: غاب حفظه، وأرض مَضِلَّةٌ، بفتح الميم، والضاد يُفْتَح، ويُكْسَر؛ أي: يُضَلُّ فيها الطريقُ. انتهى (١).

(فَهُوَ ضَالٌّ)؛ أي: عن طريق الصواب، أو آثم، أو ضامن إن هلكت عنده، عبّر به عن الضمان للمشاكلة، وذلك لأنه إذا التقطها، فلم يعرّفها، فقد أضرّ بصاحبها، وصار سببًا في تضليله عنها، فكان ضالًّا عن الحقّ، (مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا") "ما" مصدريّة ظرفيّة؛ أي: مدّة عدم تعريفه لها.

قال القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "من آوى ضالّة فهو ضالّ … إلخ" قيل: معناه: مخطئ في فعله ذلك، ضالّ عن طريق الصواب فيه، قال المازريّ: إذا أخذ الضالّة، فأخفاها، فقد أضرّ بصاحبها، وكان متسبّبًا إلى الضلالة عنها، فإذا عرّفها أَمِنَ من ذلك، قال القاضي: على هذا التأويل الحديثُ عامّ في كلّ ضالّة لُقَطة، وقد جاء في بعض الروايات: "من التقط ضالّةً"، وظاهر الحديث في ضوالّ الإبل، وعليه حَمَله بعضهم، وإذا فُسّر بالمخطئ لَمْ يضمن إن هلكت؛ لأنه إنما أخطأ في أخذها، وإنما أخذها ليردّها على صاحبها، ويحوطها عليه، وإن كان إنما أخذها ليأكلها، ولا يعرّفها من الإبل وغيرها، فهذا ضالّ بيّن الضلال، ثم متعدّ يضمن ما هلك منها بأيّ نوع من الهلاك، وقد اختلف العلماء بحسب هذا، هل اللقطة والضالّة بمعنى واحد؟ وإليه ذهب الطحاويّ، ومعظمهم أنهما مفترقتان، فإن الضالّة تختصّ بالحيوان، وهو قول أبي عبيد. انتهى كلام القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ - (٢).

وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا الحديث دليل للمذهب المختار: أنه يلزمه تعريف اللقطة مطلقًا، سواء أراد تملّكها، أو حفظها على صاحبها، وهذا هو الصحيح، وقد سبق بيان الخلاف فيه، ويجوز أن يكون المراد بالضالّة هنا


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٣٦٣ - ٣٦٤.
(٢) "إكمال المعلم" ٦/ ١٦ - ١٧.